مها محمد الشريف
يبدو أن الرئيس أردوغان مسكون بذاكرة ما قبل 1924 م ويعتقد أن دولته هي ذاتها الإمبراطورية العثمانية ولا يعلم أن دولا كثيرة في المنطقة تفوقه قوة اقتصاديا وسياسيا بل وعسكريا، وما عليه إلا أن يعيد قراءة الواقع وليس التاريخ العثماني البالي الذي سطر الظلم والنهب والقمع وسرقة مقدرات الأراضي العربية التي كانت تحت سيطرتهم، وعليه أن يدرك أنه مجرد رئيس لدولة بالمنطقة ما زالت تبحث لنفسها عن هوية سياسية ولم تجدها إلى الآن.
وهذا على الأقل ما ينبغي أن يُذكر نتيجة السياسات المزدوجة في بناء العلاقات والتحالفات، بل اعتمدت على أسلوب الانتهازية السياسية والمتاجرة بالأصدقاء قبل الأعداء. لعبة انتهت وانكشفت بعد مهمة التأسيس على عاتق غير مسؤول فالمنطقة وشعوبها من سوريا وفلسطين تعاني من هذه المزايدات.
وفي الواقع يستعصي التمييز بين مواقف أردوغان السياسية وتعبيره عن المعتقدات الدينية على كثير من الناس وخاصة من أتباع تنظيم الإخوان وبعض البسطاء الذين يركضون ويهللون خلف الشعبويين، بانتظار ذلك البطل الذي يسكن أوهامهم كما سكنها صدام حسين صاحب أكبر مشروع تدميري للعالم العربي، وها هو أردوغان يقلده بمشروع تدميري آخر للعالم العربي والإسلامي بالتناغم مع إيران فكلاهما يدعمان الفوضى بالمنطقة.
والحرب والمصالح تشكل الأمم والقادة والشعوب حسب نتائجها وتقاريرها، ومن خلال هذه العبارة، علينا أن نفهم ما حمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دعم سياسة بلاده نحو واقع منقطع الصلة بين خطاباته النارية والعنيفة التي ناشد العالم فيها بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للقدس وبقطع العلاقات مع إسرائيل، وهو أول من اعترف قبل ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية.
ينبغي أن نسأل ماذا يريد السيد أردوغان؟، فالأمر لا يتعلق هنا بخصم تتم مساجلته أو صديق يستأثر بالاهتمام، والواقع يخبر بأنه رئيس قوي لبلد ضعيف كما قيل عنه بعد الانقلاب الفاشل، فبعد هذه الحادثة اختصر النظام السياسي عناء البحث عن سبب قوة الرئيس وضعف البلاد.
ويوما بعد يوم أخذت الأزمات المفتعلة تتسلسل كحلقات متصلة مع الاتحاد الأوروبي ومع واشنطن وموسكو والدول العربية، وهذا التدهور في العلاقات يختزل معنيين للسياسة الخارجية: القيام بمهام تحرك الرفض الدولي في كل مراحله، وإثارة مسألة استمرار دعم واشنطن لميليشيات الحماية الكردية في سوريا بالأسلحة والمعدات العسكرية، متهما «القوات الأمريكية بالتحرك جنبًا إلى جنب مع المنظمات الإرهابية، وبأنها تزوِّد ميليشيات الحماية الكردية»، مناصبا العداء لكل الأراء المخالفة لسياسته.
ليس من السهل تحقيق أي نجاح سياسي دون أخلاق المسؤولية التي تميز السياسي الناجح، وما نلمسه في الوقت الراهن واقع نضب نشاطه القديم ويحتاج مرحلة جديدة يمكن بها تسويغ الانتقال إلى أهداف سياسية خارجية أكثر اتزانا بطرق متنوعة وبموافقة علنية، بهذا القدر يكون الحرص حاضرا على كسب الأصدقاء، مما جعل تركيا الشريك الأضعف في العالم.
حيث كان التعاطي مع الأزمات ينبئ بعالم مضطرب، وببساطة نستطيع القول إن ما يحصل لأنقرة مكلف ولن يكون موازنا لتقدمها ومكانتها في العالم، كما جعل من بعض حلفاء تركيا أقل حماسا وتصالحا عندما يتعلق الأمر بمغامرات ثمنها باهض، كما يحدث في الأزمة الراهنة مع قطر واحتلال جزء من سوريا وإظهار العداء لإسرائيل وإخفاء علاقته السياسية العميقة مع العدو واتخاذ موقف غامض ضد دول الخليج ومصر. وقد انعكس موقفه هذا إلى استفزاز الحكومات الخليجية والعربية والشعوب، فهو دائم الدعوة إلى اقتناص الفرص للصعود على المنابر وإلقاء الخطابات عن المقدسات والتشكيك في النوايا، وهو في هذا الشأن يسعى إلى الحصول على تعويضات للحرب التي خاضها.