د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نؤمن كثيرًا بالفن كمفتتح لصياغة علائق إنسانية مؤثرة؛ ونؤمن أيضاً أن الفنون جزء أصيل من المشروع الاجتماعي التربوي، وأن الدراما نشاط خلاق تصبُّ في عالم الأخلاق عندما تنقل النماذج والتجارب الإنسانية وعندما تبسط الظواهر والمشكلات المجتمعية؛ وإذا سلّمنا أن المشهد الدرامي الذي يقدمه التصوير التلفزيوني هو التقاط متصل بواقع المجتمعات؛ وهو جزء من عدة مكونات؛ وأن تكامل ذلك المكوّن يصنعه خيال المُشاهد عندما تكون الصورة الذهنية ماثلة أمامه في شذرات أو روايات متواترة عن المُجايلين لأماكن الأحداث وزمانها، ولذلك فالمتلقون أو المشاهدون خارج المحلية ربما لا يفهمون وفق ما أراده المنتجون لهم لأن عقولهم تخلو من الخلفية المعرفية التي تمكنهم من استيعاب الرسالة المتوخاة في الحبكة الدرامية، ولذلك فالسقف الدرامي يجب أن يتشكل من قبة عالية صادقة في عناصرها يراها العالم بوضوح من خلال استخلاص المحتوى الدرامي من مصادر توثيقية للتاريخ الاجتماعي الذي مرت به الشعوب المنتجة للدراما المحلية حين تنشد العالمية! وتأسيساً على ذلكم الرأي وبعيداً عن النقد الفني بمفهومه المتفق عليه، والأبعاد الفنية لفن الدراما كفن راقٍ إذا ما استخلص الفكر الدرامي في حبكة تجمع بين الحريات المباحة داخل العقد المجتمعي المنظم للعلاقات.. ولكون الدراما السعودية لها نسيجها منذ استزراعها في النسيج الثقافي وحيث كان لنا مع كثير من صور الدراما السعودية شؤون وشجون، ولما أن تربع مسلسل «العاصوف» الذي يعرض حالياً على القناة التلفزيونية «Mbc» فكان مستراداً جاهزاً لابراز القناعات النقدية، حيث بدا شاهداً درامياً على فترة زمنية من حياة المجتمع السعودي إلا أن شواهد ذلك العهد الفاضلة بالفطرة بدتْ في «العاصوف» في قوالب درامية مسطحة هشة جانبت الحقيقة طمرتْ أمام المشاهدين كل أحكام المجتمع المحافظ ذي السمت والشرف؛ وتجاوزت النظام الأخلاقي الذي كان مفتاح التعاملات لكونه من الثوابت لارتباط الدين بالقيم الأخلاقية العليا، ولن استطرد في تتبع «الهِنات» التي مازالتْ تلتقطها عيون الراصدين يومياً فيما تم عرضه من حلقات «العاصوف»، فهناك حتماً مشاهد لم نتوقع وضعها في منصات العرض لأنها ليست ظواهر كما بدت من خلال التركيز على ارتباطها بالفكر المجتمعي آنذاك!! وأخرى كانت من الخيالات حين الحديث عنها فأنضجها العاصوف في أذهان المشاهدين!!
ونعي تماماً أن العمل الدرامي ليس رصداً وثائقياً ولكن تبقى الفكرة الناضجة هي من تصنع المحتوى وتبني منصاته؛ ومن ثم يأتي دور المشاعر أصيلاً في أعماق المشاهدين، فالعاصوف استهدف تأثير «عاصوف الصحوة» على المجتمعات السعودية، وهو جوهر القصة ومرادها الأساس، والفكرة رائدة جداً جداً وكم كنا نتمنى أن ينجح العاصوف في صناعة المقارنات العميقة من خلال الدراما لإبراز الخلط في المفاهيم الذي تبناه الفكر الصحوي في تلك المرحلة وبثّهُ شرراً كالقصر، كما كنا نتمنى أن ينجح العاصوف في صياغة متن درامي قوي يوضح سقف المعرفة الموجودة في المجتمع السعودي آنذاك فقد بدتْ الشخصيات دون سقف معرفي أو لغة مستنيرة فالحوارات مرتجلة تقليدية تشوبها بعض اللكنة التي تثير الشجن!
ومن هنا فإننا نأمل أن يحظى المنتج الدرامي السعودي بكيل مجزٍ من التمعن والاهتمام لأنه رسالتنا للأجيال الحاضرة والقادمة ولأنه أيضاً إضاءة لبلادنا في الخارج، كما نأمل صياغة تشريعات للدراما السعودية تفتح مسارات للدراسات الأكاديمية ليتحقق من خلالها إتقان الصناعة.. ونأمل أن يكون هذا الفن هاجساً تربوياً من مهذبات السلوك ليتلقفه التعليم كمنصة للوعي الفكري التربوي..