د.عبدالعزيز الجار الله
المغالطات الكبيرة التي شهدها مسلسل العاصوف هل تدفع وزارة الثقافة والإعلام أوهيئة التلفزيون أو هيئة السياحة والتراث الوطني إلى تقديم أحد الأعمال الدرامية أو السردية أو تسجيلية لتصحيح أخطاء المسلسل؟.. لأن العاصوف صور لنا فترة السبعينيات في العاصمة الرياض بيوت من الطين وشوارع ترابية وبيئة فقيرة مالياً وحضارياً، حشد الممثلين والممثلات في القرية التي تم بناؤها في دبي مع رمزية ساحة الصفاة التي يتوسطها برج الساعة وصور صامتة لبرج الرياض، في عمل تجاري واضح، وجعل لكل شخصية في المسلسل حكاية تغلب عليها قصص الجنس وغزل (سطوح) المنازل في البيوت الطينية المتطامنة والمتلاصقة.
هذه الصور قد تناسب فترة الأربعينيات والخمسينيات وربما الستينيات، لكن فترة السبعينيات السعودية مختلفة تماماً عن العاصوف لأن في:
- أولها حرب 1973م وبعدها قفزت أسعار النفط من (6) دولارات للبرميل إلى (40) دولارات وهذا أحدث تحول حضاري شمل الإنسان والمباني بشكل سريع.
- وفي منتصف السبعينيات دخلت السعودية مرحلة الدورة الاقتصادية الأولي التي أطلق عليها الطفرة والتنمية وهي بالفعل تنمية عمرانية اقتصادية شاملة غطت المناطق والمدن والقرى والأرياف وهي الفاصل في تغير وجه السعودية والفاصل بين مرحلتين الأربعينيات والخمسينيات باعتبار الستينيات هي إرهاصات السبعينيات.
- وفي نهايتها قيام الثورة الإيرانية وتولي الملالي الحكم في إيران ودخول السعودية والخليج في مرحلة سياسية تعانيها حتى الآن بسبب ثورة جرت الويلات للمنطقة.
أما من الناحية السياسية والحضارية والتنموية فيمكن تقسيمها إلى:
الخمسينيات وماقبلها هي مرحلة المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حتى وفاة المؤسس يرحمه الله عام 1953م شهدت الفترة الأولى التأسيس وتوحيد الدولة عام 1932م، وفِي الأربعينيات بعد أكتشاف النفط بكميات اقتصادية وتسويقية تغير الجانب الحضاري إلى بداية بناء الدولة تنموياً في جميع مرافقها.
عهد الملك سعود -يرحمه الله- حتى عام 1964م، والملك فيصل يرحمه الله حتى عام 1975م، هي مرحلة متداخلة اختلفت فيها البلاد حضارياً عن فترة الأربعينيات وشكلت تحديث الدولة الأول لتأخذ شكلها التنموي الجديد بدأت تختفي سريعاً فيها البيوت الطينية والشوارع الترابية وتنتشر بدلاً عنها المباني الإسمنتية والخرسانة الحديدية، من بداية الخمسينيات في المباني الرسمية ومخططات الأحياء السكنية الجديدة، وسط وشمال الرياض، وبعض الأحياء السكنية الفئوية.
عهد الملك فيصل -يرحمه الله- في أوائل السبعينيات تغيرت البلاد معماريا وحضاريا لتصبح التنمية شاملة وفِي منتصفها منحت الدولة الأراضي مجاناً (أراضي المنح) وأنشئت مخططات أحياء سكنية، وقدمت مشروع صندوق التنمية العقاري يمنح قروضاً لبناء المساكن والتسديد طويل الأجل وبدون فوائد.
إذن فترة العاصوف واقعة في مرحلة خصبة تغير فيها وجه المجتمع وليس كما صوره لنا مسلسل العاصوف الذي ينسب ديكوره وبيئته إلى الخمسينات ويتحدث عن السبعينيات.