من زار القاهرة يسمع عن أهم شارع فيها، إنه شارع (طلعت حرب) فمن هو؟
تعد مدينة القاهرة من المدن العربية الإسلامية التي لها جذور تاريخية قديمة، تركت بصماتها على النسيج العمراني وشبكات الطرق داخل المدينة، ومن الأحياء السكنية التي يعكس نمط تخطيطها الإسلامي في مدينة القاهرة حي خان الخليلي وغيره من الأحياء السكنية التي تمتزج فيها الأسواق والمساكن. وهناك نمط آخر من الأحياء السكنية التي يغلب على تصميمها الطابع الأوروبي، فقد كان الخديوي إسماعيل يحلم بأن يحول مدينة القاهرة إلى مدينة تضاهي باريس، فقام بجلب العديد من المهندسين الإيطاليين والفرنسيين لتشييد البنايات والأحياء على الطراز الأوروبي، ومنها الحي الذي يقع فيه شارع (طلعت حرب) في وسط المركز التجاري بالقاهرة، حيث يتوسط هذا الشارع ميدان طلعت حرب وتمثال له في هذا الميدان.
ومن المعالم الرئيسة لهذا الشارع مقهى (ريش) الذي أسس عام 1908م على يد رجل ألماني، وفي عام 1914م انتقلت ملكيته إلى الفرنسي (هنري بيير)، الذي أعطى هذا الاسم للمقهى ليتشابه مع اسم مقهى في العاصمة الفرنسية باريس، وكان يرتاد هذا المقهى نخبة من المثقفين والكتاب ورجال الأعمال والصحافة والسياسة.
إذاً، فمن هو طلعت حرب؟
محمد طلعت بن حسن محمد حرب، ولد في عام 1867م، في قرية تابعة لمركز فارسكور بمحافظة دمياط، وتميزت حياة طلعت حرب من عدة نواح منها أنه كان عضواً بمجلس الشيوخ المصري، وهو مؤسس بنك مصر ومجموعة الشركات التابعة له، ويعد من أعلام الاقتصاد المصري في العصر الحديث حيث لقب بأبي الاقتصاد المصري، وعمل بجدارة على تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية، وكان أحد المساهمين البارزين في بنك مصر، فأسهم البنك بدوره في إنشاء العديد من الشركات العملاقة التي تحمل اسم مصر، مثل شركة مصر للغزل والنسيج وشركة مصر للطيران وشركة مصر للتأمين وشركة مصر للمناجم والمحاجر وشركة مصر لصناعة وتكرير البترول وشركة مصر للسياحة وشركة استوديو مصر، وغيرها من الشركات. وكان لطلعت حرب بجانب الاهتمامات الاقتصادية، العديد من المساهمات الأدبية والثقافية، ولعل أبرزها معارضته الشهيرة لكتابات وأفكار قاسم أمين عن المرأة، التي جعلته يصدر كتابي (تربية المرأة والحجاب) و(فصل الخطاب في المرأة والحجاب)، وكانت لديه مؤلفات أخرى مثل (مصر وقناة السويس) و(تاريخ دول العرب والإسلام)، وكان طلعت حرب ميالاً وبشكل واعٍ إلى مشكلات الفلاحين والفقراء، حيث كان يضطر معظمهم للاستدانة بالربا المجحف من بعض المرابين، وعند تصفية الدائرة السنية سعى طلعت حرب إلى بيع الأراضي إلى الفلاحين الذين يقومون بزراعتها، وفي هذا الوقت شهدت أسعار القطن عالمياً زيادة كبيرة، ولكنها لم تنصب في صالح المزارع المصري البسيط، ولم يكن هناك نظام مالي يدعم الفلاحين على الرغم من وجود البنك الأهلي والبنك المصري، إلا أن الدعم كان مخصصاً للأجانب فقط، وتسببت ظروف الاستعمار البريطاني لمصر في ذلك الوقت في استنزاف موارد الاقتصاد المصري لصالح المستعمر. وشارك طلعت حرب في ثورة عام 1919م، وبعدها بدأت تتبلور له فكرة إنشاء بنك مصر، حيث أسهم طلعت حرب في إنشاء شركة التعاون المالي بهدف الإقراض المالي للمصريين لإنشاء المشروعات الوطنية، ومع انتشار دعوته، ألتف حوله الكثير من رجال الأعمال ونجحوا في تأسيس بنك مصر عام 1920م، بعد أن طرح فكرة إنشاء البنك في كتابه (علاج مصر الاقتصادي).
وكان طلعت حرب من الأعضاء البارزين في الجمعية الجغرافية المصرية، التي كانت في ذلك الوقت من أقوى جمعيات المجتمع المدني، لاهتمامها بالمجتمع المصري والبحث عن الحلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، لذا فإن طلعت حرب قد جمع بين الحقوق والجغرافيا والاقتصاد، مما عزز دور طلعت حرب في أن يكون المصلح الاقتصادي، والمنظر في علاج اقتصاد مصر.
توفى طلعت حرب في عام 1941م، عن عمر يناهز (74) عاماً، ودفن في قريته مسقط رأسه. رحمه الله رحمة واسعة.
** **
- قسم الجغرافيا، كلية الآداب، جامعة الملك سعود
amermetair@yahoo.com