لا أحد ينكر أن التخويف من الإسلام لم يعد عاملًا مفتعلًا فقط، بل أصبح واقعًا يعيشه غير المسلمين، ويحكم علاقاتهم بالمسلمين، فقط اظهرت استطلاعات الرأي المتنوعة التي سألت عن اكثر الاديان تشجيعًا على العنف، وأكثر الأديان التي يمتاز اتباعها بالتطرف، كانت كلها نتائج ليست لصالح المسلمين ولا لصالح الدين الإسلامي، وهناك استثناءات ونتائج إيجابية وتفرقه في بعض الاحيان بين عامة المسلمين، والمتطرفين منهم، فضلًا عن التفرقه فيما إذا كان العنف عاملًا تابعًا لممارسات الغرب، وازدواجية التعامل مع قضايا المسلمين وغيرها من الجوانب التي عبر عنها «د. ستيفن كول Dr.Steven Call» في كتابه «الشعور بالخيانة.. جذور غضب المسلمين على امريكا» حيث عرض نتائج الرأي العام الإسلامي في عدة دول إسلامية، محاولًا التعرف على غضبهم على الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ترجمته احداث سبتمبر وماتبعها من احداث، بالإضافة إلى بعض الجهات التي تسعى إلى تكريس (الإسلاموفوبيا-Islamophobia) وكذلك سعي دراسات متعددة، واستطلاعات رأي، إلى تكريس التخويف من الإسلام بطريقة ناعمة يجدر التنبه لها ومقاومتها بمختلف الوسائل الممكنة، ومن امثلة تلك الوسائل تثقيف المستجيب بطريقة غير مباشرة، بطرق ووسائل مدروسة فيها المكر، والخداع، والإيهام في ظل الصمت الدولي، وعدم اهتمام المنظمات الإسلامية والعربية وعدم المبالاة لما يحاك ويرتب لجعل (الإسلاموفوبيا-Islamophobia) شعار حملاتهم الجديدة المنوعة والخطيرة مثل ما تتنامى حاليًا حركة «بيغيدا PEGIDA» العنصرية في أغلب المدن الاوروبية، مطالبة بطرد العرب والمسلمين واللاجئين، من أوروبا والتضييق عليهم والاعتداء على منازلهم، وحرق ممتلكاتهم، ورسم الشعارات العنصرية التي تحض على كراهيتهم، في ظواهر متطرفة جديدة وصفت بالأخطر في اوربا، ووسط تظاهرات حاشدة يشارك فيها آلاف الاوروبيين القلقين من تأثير الإسلام على المجتمع الاوروبي في ظل ما أفرزته داعش، والقاعدة، ومخلفات الربيع العربي من تداعيات لطخت سمعة الإسلام والمسلمين، وشوهت صورته الحقيقية، التي لم تكن مثار التخوف والقلق من الإسلام قبل هذه الزوبعات وما خلفته وضعية (الإسلاموفوبيا-Islamophobia) من جرائم ضد الإسلام ووجهه الحقيقي مما جعل «بيغيدا PEGIDA» وغيرها من المنظمات المناهضة للإسلام وجعلها تنال مرادها وتستثمر جهودها في عدد من المظاهرات في مدن اوروبية، في الماني، الدنمارك، والنرويج، وفرنسا، وهولندا، والتشيك، وايرلندا، وغيرها ودعمها باللافتات والشعارات العنصرية، التي تثير مشاعر العداء والكراهية ضد المسلمين وبناء على ذلك أبدى كثير من العرب والمسلمين في اغلب الدول الاوروبية قلقهم من تزايد العداء والعنصرية ضدهم، مطالبين المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، والمنظمات الإسلامية كمنظمة التعاون الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي بالتدخل العاجل لتهدئة الامور، التي انفرط عقدها، وطالبت بالوقوف معهم في هذا الظرف المتأزم، والدعوة لمواقف دولية حازمة من الحكومات الاوروبية ضد تنامي التيارات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين بهذا الشكل السافر في أغلب الدول الاوروبية..
كما أعرب عدد من المؤسسات الإسلامية في اوربا عن مخاوفها الكبيرة من تزايد اعداد مؤيدي حركة «بيغيدا PEGIDA» العنصرية وتزايد الافكار المتطرفة ضد العرب والمسلمين، خاصة بعد احداث باريس الاخيرة، ولندن وألمانيا، واسبانيا، معربة عن القلق من حدوث مواجهات وصدامات مباشرة مع مؤيديها، لاسيما بعد لجوء بعض المتعاطفين مع تلك المنظمة إلى العنف اللفظي، والجسدي، وحرق منازل المسلمين، والاعتداء عليهم، ورسم شعارات عنصرية على جدران مبانيهم وسياراتهم، في ظل وجود موقف سلبي مستمر من أغلب وسائل الاعلام الاوروبية، التي ما تزال تعرض التغطيات الاعلامية المسيئة التي تربط الإسلام والمسلمين بكل ما هو ارهابي، والسبات العميق لإعلام الدول الإسلامية والدول العربية ومنظماتها وعدم قدرتها على المجاراة وكبح تمدد الاعلام المسيء للإسلام في ظل ما خلفته داعش وأمثالها من صور قبيحة شوهت الإسلام وكل من ينتسب له، وكذلك التقصير في نشر حقيقة الإسلام بمفهومه الصحيح لدى الغرب الحديث، رغم وجود اسباب متجذرة لعدم فهم الغرب للإسلام بمعناه الحقيقي.. وأسباب عدم تفهم الغرب للإسلام عديدة ومعقدة، وتستند بشكل خاص على محركات دينية، وتاريخية، ونفسية، وثقافية، وتربوية، كما انها شرعت تستند مؤخرًا إلى اعتبارات سياسية، واجتماعية، واقتصادية. فقد ظل الإسلام يثير اهتمام الكثيرين ومخاوفهم، وينظرون اليه نظرة عداوة، نظرًا إلى أن التاريخ كان في معظمه تاريخ صراع متواصل وفي ظل صراع يعتقد كل طرف فيه أن الشر في الطرف الخصم.
وقد ولّد احتكاك الغرب بالشرق ردود افعال عربية وإسلامية متعددة، وذات مستويات مختلفة ولقد كان رد الفعل الإسلامي هو أول ردود الفعل التي ادى إلى بلورتها الاحتلال الاجنبي لمصر والشام، فبعد الاحتلال الانجليزي لمصر قام هناك تيار اعلن موقف المعارضة والرفض للوجود الاجنبي على أرض مصر، وعمل دعاة هذا التيار على حمل الجماهير العربية والإسلامية على مقاومة الاجنبي كغازي والوقوف في وجه كل تحدياته الحضارية، والاجتماعية، وقام على إثر ذلك التيار الإسلامي بكل فصائلة، والذي لم ير في الغرب الحديث إلا ذلك الخصم العنيد والقديم للشرق الإسلامي المؤمن، فهو مصدر الكفر، والإلحاد، وهو المتربص الدائم بالإسلام والمسلمين في ظل انشغال المسلمين بأنفسهم، اذ إن التقابل هنا هو بين ما هو إسلامي، وما هو مسيحي بصرف النظر عن أي تحديد تاريخي لهذا او ذاك، ولقد كانت الرغبة في الحفاظ على اصالة الذات العربية وصيانة الأنا الإسلامي المستقر في عمق هذه الذات، والذي تقوم على أساسه هويتها التاريخيه التي اكتسبتها مع مجيء الإسلام، يقابله فكر موروث تتصاعد وتيرته العنصرية ضد المسلمين، وبوتيرة عالية في العالم الغربي وغيره، ومعه يتصاعد الخطاب المضاد للعنصرية ضد الإسلام، والدعوة إلى وقف العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، لكن تنامي التيار العنصري في الغرب كان بسبب تزايد الحضور الإسلامي في الغرب في العقد الاخير من القرن العشرين وحتى الواحد والعشرين، وسجلت هذه التيارات اليمينية حضورًا يبعث على القلق فظهر على سبيل المثال:
فلاميش بلوك في بلجيكا - والحزب القومي البريطاني - وحزب الشعب الدنماركي - والجبهة الوطنية الفرنسية - ورابطة الشمال الايطالي - وحزب الشعب السويسري، ولذلك نقول إن العنصرية في الغرب ضد الإسلام هي سياسة ودراسة فكر، وعقيدة وإيمان كشفتها الاستطلاعات للرأي التي تشير إلى تنامي انصار الحركات العنصرية ضد الإسلام وأهله في اكثر من بلد اوروبي بكافة الوسائل والطرق، وهي ظواهر لا تبشر بالخير لا للإسلام ولا للمسلمين، ومما لا شك فيه أن ظاهرة (الإسلاموفوبيا-Islamophobia) في المجتمعات الغربية تجاه الإسلام والمسلمين هي في الحقيقة انعكاس للمشاعر السلبية التي تكونت لدى المواطن الغربي الحديث، بسبب الاحداث الدامية التي تحدث من حين لآخر باسم الإسلام، وبفضل داعش والقاعدة وغيرها، وبفضل الآلة الاعلامية الغربية التي لعبت دورًا محوريًا في تكوين هذه المشاعر السلبية من خلال تصوير المسلمين بشكل عام كمجموعة من الارهابيين الذين يؤمنون بعقائد تحثهم على العنف تجاه الآخر، وإهدار حقوق الانسان حتى استقرت هذه المزاعم في نفوس مناهضي الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية بشكل عام ووجدوها فرصة عظيمة اتيحت لهم في ظل تهاون العالم الإسلامي كما اسلفنا، وعدم القيام بما يلزم للجم هذا المد الغربي وإنكار ما افتعلوه ضد الإسلام وسماحته، ووقاره، وشموخه.
فهل نعي ما يحاك ضد هذا الدين الحنيف ونسعى لإصلاح ما أفسده العابثون؟!.. نأمل أن نرى شمس الشرق تسطع على الغرب من جديد، وان يعم الإسلام والسلام، وان يذل الله الشرك والمشركين وان لا نيأس من محاربة المفسدين الذين اخلّوا بسمعة الإسلام ومبادئه السمحة والشريفة اما الذين ينكرونه فلن يستطيعوا ذلك، ولن يقفوا امام مده ونوره، كما قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (32) التوبة - صدق الله العظيم.