فيصل خالد الخديدي
اللون بوح الروح.. وعلاقة الفنان مع ألوانه كعلاقته مع البشر، يصطفي منهم ما يشاء، ويُقصي منهم ما يزعجه. وأعمال الفنان الصادق تمثل شخصيته، وتشي بمكنوناته؛ فتصالحه مع ذاته ومع الآخرين يظهر على شخصه، وينعكس على ألوانه.. فحدود الفنان ومنطقته هي حدود عمله، ولا يسمح إلا لمن يشاء بدخولها.. ومتى ما اتسعت دائرة ألوانه، وتوافقت في علاقاتها، فهي مؤشر على مدى تسامحه ومصافحته جميع الأطياف حتى في حدود عمله.. وهذا ما يحدث في تعاملات الفنان زايد الزهراني مع أعماله ومع المحيطين به؛ فأعماله تحتضن أطياف الألوان بتوافق وتعايش، كتقبله لكل من هم حوله بحب وتسامح حتى مع مَن خالفوه، أو اختلفوا معه.
الفنان زايد الزهراني تعامل مع اللون على مدار أكثر من أربعين عامًا بشفافية وتناغم وتفرد وتوظيف، يراعي جميع العلاقات اللونية، ويجرب في أكثر من خامة ووسيط.. اشتغل فترات طويلة على الألوان الباستيل، وتميز في تعامله معها كخامة، عرف أسرارها، وأبدع في استخدامها، وأنتج العديد من الأعمال التي قدمها في أكثر من معرض شخصي وثنائي، ومشاركات جماعية بمواضيع تراثية، انطلقت من البنايات التراثية وصولاً إلى الزخارف الشعبية في الأزياء والأواني المنزلية والسجاد ومواضيع، إنسانية بدأت بالتجسيد والواقعية، وانتهت بالتجريد والزخرفية التي أضقت كثيرًا من البهجة على أعماله في تمكُّن لوني، وتنوُّع موضوعي.
العمل في صمت، والإنجاز بهدوء وسكينة، ونشر النور من الظل لا يحدث إلا ممن امتلأ بالحب لما ينتج، والثقة فيما يقدم. زايد الزهراني عمل معلمًا للتربية الفنية على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، أبدع فيها في عمله، ونشر الضياء والفن بين طلابه وزملائه؛ فكان خير ناشر للوعي دون أن يبحث عن الظهور، أو ينتظر المردود؛ فكان عمله خير شاهد، وطلابه بين فنان ومحب للفن ومقدر له.. وأعماله في تطور وانتشار بشكل مؤثر على من حوله. زايد نموذج لمن يعمل في صمت، وينجز بهدوء، ويؤثر بسكينة واستمرارية.. ألوانه قريبة من القلب والنظر كشخصيته، وقليل من الفنانين من حظيت أعماله وشخصيته بالقبول والتقبل والإعجاب بالمستوى نفسه؛ لما لها من شفافية ومصداقية على جميع المستويات الشخصية والفنية.