ميسون أبو بكر
أدهشني الكتاب ذو الغلاف الأسود المسطر عنوانه بلون الدم «سأخون وطني» للشاعر المثير للدهشة محمد الماغوط، حين كنت أهم بشرائه وأنا ابنة العشرين عاماً، وقد كنت أحاول أداري عنوانه ما استطعت عن أنظار من حولي حتى أستطيع قراءة الكتاب وفك أسرار لغز العنوان، لأني كنت أؤمن وقتها أنه ليس لشاعر صادق مثل الماغوط أن يكون خائناً مجاهراً بمعصية الخيانة للوطن.
في تقديم زكريا تامر للكتاب يقول: الأوطان نوعان.. أوطان مزورة وأوطان حقيقية، فالأوطان المزورة أوطان الطغاة، والأوطان الحقيقية أوطان الناس الأحرار، والولاء لأوطان الطغاة خيانة للإنسان».
السعودية وطن أم... وانتماء.. وأمن وأمان، هو ليس فقط بقعة أرض تحمل أجسامنا ومتاعنا بقدر ما هو سماء تظلل أحلامنا، وغيمات خير تحملنا من بقعة لأخرى، تسافر بأرواحنا في كل شبر من هذا الوطن الممتد كقارة، المتنوع التضاريس والثقافات وأنماط من العيش لتعانق كل شبر منه.
الوطن حضارة نعيشها وماض لا نتجزأ عنه، هو نحن أفراد وجماعات، هوية وتاريخ ومستقبل ورؤية تشرق اليوم من قلبه تنبت في شراييننا كنبت طيب. وطننا وطن لا يُخان، يُفدى بالروح لأنه سيد الأمكنة، في الصدارة هو، بلد القداسة وقائد التحالفات، هو وطن منير كقرص الشمس لا كالأقمار التي تشحذ منها بعض الضوء، هو مانح للحياة والأمل.
من بين المدن التي فارقت الحياة أو تلك التي تلفظ أنفاسها حولنا هناك وطني يتنفس الأمن وينعم بالحياة الهانئة ويهرول بخطىً واسعة نحو مستقبل خطه قائده وأبناؤه بالنور والمجد.. الخفافيش والغربان لم تجد فيه أغصاناً تنعق عليها فتقزمت حتى أمست مجرد ذباب إلكتروني يقاتل نفسه ولا يجد بيئته المناسبة إلا على العقول الملوثة والخونة المسلوبي الوطنية.
هل تُخان الأوطان!! وأي خزي هو وأي عار يمكن أن يتحمله الخونة بعد أن باعوا وطنهم وشرفهم وعهودهم بثمن بخس!! هل تباع الأوطان؟.. وأي منقلب بعده ينقلب أولئك؟.
يا وطني.. يا أول البدايات والمنتهى.. يا طهر أمي.. قلبي إلى أن تنطفئ آخر نبضة فيه، مثلك لا يخان ولا يباع ولا يشترى، خاسر من لا يعرف الفرق بين الثرى والثري وبين الوطن الحقيقي والوطن المزور الذي لا سقف له ولا أرض ولا تاريخ أو مجد.
حمى الله جنده وشعبه وكل كبد رطبة فيه، عاش سالماً منعماً في العلا أعلامه خفاقة.. كلنا وطن.. ووطن لا نصون كل ذرة في ترابه.. لا نستحق الانتساب له.
من آخر البحر.. للدكتور سالم المالك:
وطنٌ تخون، وأنت تبتدع الفتنْ
أتظنَ أن الأمن سورٌ قد دفنْ
يا من تمادى بالسفاهةِ وارتدى
عارًا من الخزي البذيء له كفنْ
هذي بلادي للعُلا راياتُها
خفاقةٌ، يَرقى بها ملكٌ فطنْ
يا خائنًا، أتبيعُ نفسَك لقمةً
فيلوكها علجٌ ومبدؤهُ نتنْ
ماذا جنيت سوى الدناءةِ والردى
وبقبحِ فعلكَ أنت منبوذٌ عفنْ
هل كنت للوطنِ الوفي لأرضهِ
أم فيك شيطانُ الخيانةِ محتقنْ
من خانَ دينَ الله خانَ مليكَه
ويخونُ موطنَه ويخضعُ للوثنْ