ياسر صالح البهيجان
تتجه المملكة إلى إنشاء أول مؤشر إنجاز عالمي لسياسة نمط الحياة عبر تبني «علم الفرديّة»، وإضفاء الطابع الشخصي على المؤسسات الاجتماعية، وستدعم إنتاجات المفكر الأمريكي تود روز الذي يدير برنامج العقل والتعليم في كلية الدراسات العليا بجامعة هارفارد، ويرأس مختبر علم الفرد في معهد ويز للهندسة الملهمة، ومؤسس مركز الفرصة الفردية الذي يعد منظمة غير ربحية تعمل على تعزيز مبادئ الفردية في العمل والمدرسة والمجتمع، وهو كذلك مؤلف كتاب «نهاية المتوسط».
ستعزز المملكة من دور «علم الفرديّة» على المستوى الدولي، وستعتمده كذلك ضمن مؤشرات جودة الحياة داخل المجتمع السعودي، لذا فإن السؤال الوجيه في هذا الصعيد، ماذا يعني علم الفردية وما مفهومه وما قيمته سواء لمجتمعنا أو على المستوى العالمي؟
علم الفردية يتأسس على مبدأ أن لكل إنسان قدراته وإمكاناته ومواهبه الخاصّة التي لا يمكن الاستفادة منها وتطويرها إلا عن طريق مراعاة التباين بين البشر ولكن ليس عن طريق ما يعرف بـ«متوسط القيمة «Average»، لأنه في الحقيقة ليس هناك متوسط فعلي إنما هو رقم نسبي وهمي قد لا ينتمي إليه أي فرد.
لذا فإن كانت مناهج التعليم مثلاً تُبنى على متوسط ذكاء الطلاب فإننا نصبح أمام كارثة تعليمية لأنه ليس ثمة متوسط ذكاء، إذا ما علمنا بأن المتوسط يمثل خليطًا بين أشخاص أذكياء جدًا وآخرين أقل ذكاءً، وإن صُممت المناهج على الذكاء المتوسط فإنها لن تكون صالحة لأي طالب، ولن تحقق الارتقاء المعرفي المُنتظر، ولعل هذا ما يبرر ضعف استفادة الطلاب من المناهج التعليمية وعدم انعكاسها الفعلي على حياتهم اليومية، وأيضًا تسرّب عشرات الآلاف من الطلاب سنويًا.
يرتكز علم الفرديّة على الاهتمام باحتياج كل فرد بصفة مستقلة، وإيجاد نظام تعليمي واجتماعي وتنموي أكثر مرونة بحيث يتناسب مع إمكانات ومواهب ورغبات الأفراد بمختلف اتجاهاتهم، ويضرب المفكر تود روز مثلاً على ذلك بقمرة قيادة الطائرة الحربية التي كانت في السابق مصممة وفق مقاس واحد غير مرن يناسب متوسط أحجام الطيارين، ولكن نتائجه كانت سلبية وأظهر أداء الطيارين انخفاضًا مُريعًا، وبناءً عليه قرروا معرفة عدد من تنطبق عليهم مواصفات متوسط الحجم، وكانت المفاجأة أن المتوسط الذي بُنيت عليه قمرة القيادة لا يناسب أي طيّار، لذا جرى تلافي تلك المشكلة بالاشتراط على الشركات المصنعة وضع مقعد مرن يمكن التحكم بحركته ليناسب مختلف الأحجام والمقاسات وبما يراعي الخصائص الفردية لكل طيّار، وبعد هذا الإجراء أتت النتائج مبهرة، وتحسن أداء الطيّارين بصورة استثنائية نظرًا لشعورهم بأن الطائرات أصبحت أكثر كفاءة وملاءمة لاحتياجاتهم.
وهذا العلم لا يقف عند حد التعليم، بل يشمل كذلك بيئات العمل وجميع المؤسسات الاجتماعية، ويؤكد تود روز بأنه علم قادر على تغيير طبيعة الاقتصاد العالمي، فضلاً عن أنه سيعيد تشكيل حياة الأفراد سواء في المنزل أو المدرسة أو العمل، لأنه بحق أسلوب حياة يضع الفرد بتركيبته الخاصة واستقلاليته في سلم الأولويات.
ورغم أن «علم الفرديّة» قد يبدو من الوهلة الأولى مهتمًا بالفرد دون الجماعة، لكنه يسعى في نهاية المطاف إلى تحسين الناتج الكلّي عبر تطوير الفرد بوصفه المكون الرئيس لأي مجتمع، والحق أن ما يبشّر به هذا العلم الجديد يُعد مطلبًا ليس في محيطنا المحلي والعربي بل وحتى على المستوى الدولي، لذا يأتي دعم المملكة لمؤشر سياسة نمط الحياة ليشكل علامة فارقة في الارتقاء بجودة حياة المجتمعات البشرية كافّة، ويضع معايير مبتكرة بإمكانها أن تساعد صنّاع القرار على توفير معيشة أكثر رقيًا وتناسبًا مع احتياجات الأفراد وبما يعود بالخير على الإنسانيّة جمعاء.