د.محمد بن عبدالرحمن البشر
بعد ثلاث ليالٍ ستشرق وتقمر ليال العشر من رمضان، ويصرف الكثير من المسلمين جل وقتهم في الصوم والصلاة والقرآن، طلباً لمغفرة الرحمن، وتلمساً للقبول في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها من اللذة الروحية ما يبهج القلب، ويسمو الروح، لتربط أكثر برب العالمين.
القرآن بأحكامه ومعانيه، يحتاج إلى سبر مراميه، وهذا يتطلب قراءته بتدبر، ومراجعته بتأمل، لعل الله يفتح على القلوب أبواباً لزاد التقوى، لتطيب النجوى، ويرتفع المرء بنفسه إلى هام السماء راجياً ما عند الله الذي لا يخيب من رجاه، ولا يرد من دعاه، اللهم يا حي يا قيوم ارحمنا رحمة من عندك، اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا ِشأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا، وأنت العالم بحاجتنا فاقضها، وأنت العالم بذنوبنا فاغفرها.
كم هو جميل هذا الشهر الذي مضى ونحن نحسه أسرع من غيره، لحبنا له، ولرغبتنا في قيامه، ولكن لا بد أن يفارق الحبيب محبوبه وهذه سنة الحياة التي تتبدل، ونمط العيش الذي لا يتغير، ودرب الأنام الذي هم سالكوه لا محالة، وعابروه بهدوء أو كلالة.
العمل عبادة، لذا فإن العمل في هذا الشهر الكريم زيادة في العبادة، كما هي الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وإن خصص المرء جزءًا أكبر من وقته في الصلاة وقراءة القرآن والدعاء في العشر الأواخر، فهو أيضاً سيعمل ما يستطيع ليضرب في الأرض لعمارتها.
أخذ بعض العلماء المتخصصين وغير المتخصصين يتلمسون الإعجاز القرآني في كل آية من آياته، وجمعوا لنا الكثير من المعاني العظيمة والدلالة الكبيرة، والمرامي الرائعة، وتعمق المهتمين باللغة العربية في تلمس المقاصد، وتحسس أماكن الفرائد، فأفادونا أفادهم الله، وإن ظهرت فئة ترى عدم التعمق في دراسة إعجاز القرآن، أولا يرون البحث فيه أساساً، فلكل رأيه، وقد ظهر في ذلك كما ظهر من اختلاف بين المثبتين والمؤلين والمخولين في مواضيع سابقة، ليس من المناسب الخوض بها.
الإسلام دين السلام والمحبة والتبذل والعطاء، والتسامح والوفاء، والعطف والرجاء، فيا له من شهر كريم، فما بالكم بالعشر الأواخر منه التي يزداد فيها تلمس سبل الخير.
العشر الأواخر أنوار بارقة، وشموس شارقة، وأنهار خير رائعة، جعل الله نصيبنا منها القبول، والتوفيق والصحة والخير العميم، فلا بد لنا من حمد الله على نعمه، فكم من مكلوم يحتاج إلى مواساة، ومبتلى يطلب مراعاة... يا عزيز يا جبار ويا قادر على كل شيء اشف كل مبتلى، وعاف كل مريض، واقضِ حاجة كل محتاج، واقبل دعاء كل من دعاك صادقاً راجياً وجهك العظيم، وطارقاً بابك الذي لا يرد، وطامعاً في كرمك وأمنك الذي لا حدود له.
لم أجد شيئاً ألذ من القرآن في رمضان، على مر الأزمان، ولم أر شيئاً يثلج الصدر، ويجدد الأمل أكثر من الدعاء والتضرع.
في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم يتدفق الملايين إلى مكة المكرمة من الداخل والخارج لقضاء العشر الأواخر، والمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله يقدمون لزوار بيت الله الكريم سبل الراحة من مأكل ومشرب ومأوى، وأمن وأمان، وهي بحمد الله البلد الحرام الآمن الذي يضرب به المثل في أمنه.
إن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله يسهران على راحة المواطن والمقيم والزائر، ويقدمون الكثير من الجهد، ويتلمسون السبل لراحة ضيوف الرحمن.
لقد كانت هذه البلاد وقادتها ناذرة نفسها لخدمة ضيوف الرحمن، وهي سائرة على ذلك، مستخدمة ما حباها الله من خير ونعم، ومستفيدة مما يقدمه العالم الحديث من أوجه الخدمة والتقنية الكفيلة برعاية الناس، وقضاء حوائجهم، وتوفير الأمن لهم.
حفظ الله هذه البلاد وسائر بلدان العالم من كل مكروه، وتقبل الله من الصائمين والقائمين صيامهم وقيامهم وأسبغ على خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين الصحة والعافية والتوفيق والسداد.