د.سالم الكتبي
فيما بدا أنه رد على الشروط الاثني عشر التي أعلنها مؤخراً مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي حدد الزعيم الإيراني علي خامنئي سبعة شروط للإبقاء على الاتفاق النووي مع بقية القوى العالمية الموقعة على الاتفاق، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية. من أهم شروط خامنئي اتخاذ البنوك الأوروبية خطوات لتأمين التجارة مع بلاده، وأن تحمي القوى الأوروبية مبيعات النفط الإيرانية في مواجهة الضغوط الأمريكية، وأن تواصل شراء النفط الخام الإيراني، وأن تعد بألا تسعى لمفاوضات جديدة بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وأنشطتها في الشرق الأوسط، كما قدم طلباً عجيباً وهو مطالبة أوروبا بإدانة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي!.
الغرابة لا تكمن في هذه الشروط التي لا تمت للسياسة وأسس التفاوض العقلانية بصلة، بل بإعلان خامنئي في البيان ذاته عن أنه لا يثق في الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، ولذا فقد طالب بأن تضمن أوروبا مبيعات النفط الإيراني «ضماناً تاماً»، ولم يكتف بذلك، بل قال إنه «في حالة تمكن الأمريكيين من الإضرار بمبيعاتنا النفطية.. يجب أن يعوض الأوروبيون هذا ويشتروا النفط الإيراني».
لماذا لم يسأل خامنئي نفسه سؤالاً بديهياً قبل طرح هذه الشروط: لماذا تقدم أوروبا هذه التنازلات الجوهرية لإيران؟ وماهو المقابل؟!
في واقع الحال، يبدو النظام الإيراني في مأزق وجودي معقد، وبدلاً من أن يفكر في سبل عقلانية للخروج من هذا المأزق، يضاعف مأزقه بافتعال أزمة مع الاتحاد الأوروبي الذي خسر كثيراً بدعم الاتفاق النووي والدخول في خلاف حاد مع إدارة الرئيس ترامب التي انسحبت من الاتفاق.
يدرك الملالي حجم الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا حول الاتفاق النووي، وبدلاً من أن يقدموا لأوروبا ما يشجعها على التمسك بموقفها والنأي بنفسها عن الولايات المتحدة، يحاولون تكبيلها بقيود لا تمت للمنطق والعقل بأي صلة!
يروج خامنئي لفكرة هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أنه واثق من خرافة هذه الفكرة، وأنه يروجها من أجل دغدغة مشاعر المتشددين في نظامه، الذين يطلقون ليل نهار تصريحات تهديد عشوائية بحق الولايات المتحدة.
يبدو أن نظام الملالي متمسك بالمضي على نهج كوريا الشمالية، ويستنسخ تصريحات الزعيم كيم يونج اون بصورة كاملة، ويعتبر أن إطلاق التهديدات هو السبيل لانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة، ويتناسى أن بيونج يانج لم تتحمل ضغوط بضعة أسابيع عانت خلالها من روزنامة العقوبات الدولية الأخيرة واضطرت للهرولة باتجاه الشطر الجنوبي بحثاً عن طوق نجاة لإنقاذ النظام الكوري الشمالي من الانهيار.
لم يترك خامنئي لقادة نظامه من السياسيين فرصة الحوار مع أوروبا بل تدخل بشكل فج وخارج عن سياق العقلانية ليملي شروطا هو أول من يدرك أنها مستحيلة التحقيق، إذ كيف لأوروبا التي كانت حجتها الأساسية في الإبقاء على الاتفاق النووي تتمثل في التفاوض على إطار إضافي يشمل أمورا عدة، أولها انتهاكات البرنامج الصاروخي الإيراني، كيف لها أن تتعهد للملالي بعد الإشارة إلى فتح باب التفاوض حول هذه الانتهاكات؟! ثم ما هي مصلحة أوروبا في تقديم تعهدات للنظام الإيراني لضمان استمرار التدفقات المالية الناجمة عن بيع النفط الإيراني؟ ولماذا لم يطالب خامنئي الصين بتقديم هذه التعهدات باعتبار أنها المشتري الرئيسي الأكبر لصادرات النفط الإيرانية؟
يقول وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يدعم الاتفاق النووي «ليس فقط من أجل التزامه بالعمل مع إيران ولكن أيضاً من أجل إثبات مقدرته على التصدي للنفوذ الأمريكي»، حسناً ولكن من قال لك إن حلفاء الأطلسي يفكرون بهذه الطريقة، ومن أوهمك بأن أوروبا تسعى للتصدي للنفوذ الأمريكي من الأساس؟! ألا تقرأ تصريحات وزير الخارجية الأمريكي التي قال فيها إننا سنجد في النهاية طريقاً للتعاون مع الشركاء الأوروبيين فيما يخص إيران، وأن بيننا من القيم المشتركة ما يعزز مقدرتنا على التعاون والتنسيق في هذا الملف، وقال بومبيو نصاً «هناك تداخل شبه تام في قيمنا ومصالحنا في هذا الشأن... لا يوجد خلاف حول برنامج الصواريخ الإيراني، حول سلوكه الخبيث، حول الاغتيالات... الجميع يوافق على المشكلة. نحتاج إلى إيجاد طريق للمضي قدمًا لمعالجتها».
هناك تصور استراتيجي أمريكي حول النتائج المتوقعة للعقوبات ضد إيران، تحدثت عنه صحيفة «فايننشال تايمز»، وهو تصور قائم على أن انهيار مبيعات النفط وتراجع هائل في عائداته، ومن ثم تفاقم الضغوط على ملالي إيران واضطرارهم للقبول بالشروط الأمريكية، وهو سيناريو واقعي تماماً، ويتسق مع سلوك الملالي الذين سبق لكبيرهم الخميني «تجرع كأس السم» والإذعان لشروط وقف الحرب الإيرانية - العراقية من أجل إنقاذ نظامه، ومن الوارد جداً أن يتجرع خامنئي كأس سم جديد سيراً على خطى مرشده، وأن يقبل بالشروط والإملاءات الأمريكية حين تقترب نذر انهيار النظام.