د. أحمد الفراج
أعترف بأنني لست متابعا دقيقا للشأن الرياضي، ولكن المباريات الكبرى، خصوصا مباريات الكؤوس، لها رونق خاص، فهي ليست مناسبات رياضية، بالمعنى الكلاسيكي للرياضة، إذ تتداخل فيها معطيات أخرى، تمنحها الإثارة، وبهذا الصدد، يحسن أن أذكر قصة اللاعب الأمريكي السابق لكرة السلة، مايكل جوردان، وهو لاعب اسطوري بكل ما تحمله الكلمة من معاني، وكان يلعب لفريق مدينة شيكاقو العريق، الذي يسمى «ثيران شيكاقو»، وهو فريق لم يكن له حظ في البطولات، حتى اختيار هذا اللاعب، القادم من ولاية شمال كارولينا، في صيف 1984، ومع أنه أفضل لاعب كرة سلة، إلا أنه فشل في الحصول على البطولة، فقد كان جوردان يبدع بشكل خرافي، ويبرع في تسجيل النقاط، ما جعل مشاهدات مباريات فريقه تضرب الأرقام القياسية، ولكنه لم يستطع الحصول على الجائزة الكبرى، أي البطولة.
كان مايكل جوردان محبطا، لأنه أمضى ست سنوات، يحصد الألقاب الشخصية والمال والشهرة، لكنه لم يحصل على بطولة، وهو يعلم أن التاريخ يذكر النجوم، الذين يجلبون البطولات، ومن حسن حظه، أن ادارة فريقه تعاقدت مع مدرب جديد، يسمى فيل جاكسون، أدرك بعبقريته، أن فريق شيكاقو لن يحصل على البطولة، إلا إذا اقتنع اللاعب الأسطوري جوردان، أنه لن يحصل على مراده، أي البطولة، إلا إذا تعاون مع زملائه، أي أن لا يلعب لذاته، ويبرز مواهبه الكبيرة، ويسجل عشرات النقاط، بل يشرك زملائه معه، ولا يتفرد بالمشهد كاملا، واستطاع المدرب أن يقنع جوردان بذلك، خصوصا وأن الفريق يملك مواهب أخرى، أبرزها اللاعب، سكوتي بيبن، الذي شكل ثنائيا مرعبا مع جوردان، لمدة تجاوزت عشر سنوات، وقد نجحت هذه الإستراتيجية في تحقيق حلم جوردان وفريقه، فقد حصل الفريق على ثلاث بطولات متتالية، أعوام 1991- 1993، وهي أكثر مما كان يحلم به عشاق الفريق الأحمر، الذين لم يسبق لفريقهم أن حصل على أي بطولة.
مايكل جوردان، الذي كان سببا في أن أتخلى مؤقتا عن كرة القدم وأتابع كرة السلة، بل وأكون مشجعا له ولفريقه، كان في طريقه لأن يكسر كل الأرقام القياسية، اذ أن فرصة فوز فريق آخر بالبطولة كانت شبه مستحيلة، وفي خضم احتفالات جوردان ورفاقه بالفوز بالبطولة للمرة الثالثة، أعلنت وسائل الإعلام عن مقتل والد جوردان بطريقة بشعة، في إحدى استراحات الطرق السريعة، ثم بعد ذلك بفترة قصيرة، أعلن جوردان اعتزاله اللعب، وسط دهشة الجميع، فهو في عز نجوميته، وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاما، ولا يوجد أي مبرر مقنع للاعتزال، خصوصا وأن بإمكانه الفوز بالبطولة مرات أخرى، وبعد اعتزاله، فاز فريقان آخران بالبطولة، أعوام 1994 و1995، ثم أعلن بعدها جوردان أنه سيعود للعب مجددا، وقد عاد بالفعل، وكما كان متوقعا، ولأنه أفضل رياضي بالتاريخ، فقد فاز فريقه بالبطولة ثلاث مرات أخرى، أعوام 1996- 1998، واذا كان الأمر غريبا، فإنني أدعوكم إلى التفكر في سيناريو مسيرة مايكل جوردان (الاعتزال المفاجئ، ثم العودة المفاجئة، وقبلهما مقتل والده)، لعله يوضح لكم ما قصدته في بداية المقال، من أن الرياضة قد لا تكون رياضة خالصة، وإنما تتداخل فيها معطيات أخرى، فما هي يا ترى هذه المعطيات؟!.