م. خالد إبراهيم الحجي
قال الله تعالى في أول سورة يوسف {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (3) سورة يوسف. وهناك سورة أخرى في القرآن تسمى سورة القصص. ومن خلال قراءة قصة يوسف في السورة الأولى، والظروف التي مر بها في حياته، وقصة موسى، والظروف التي مر بها في حياته كما ورد في سورة القصص، نلاحظ الآتي:
أولاً: الحب والتعلق: وضوح حب الأب الشديد لابنه يوسف، وحرصه عليه كما في قوله تعالى: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} (8) سورة يوسف، والخوف عليه كما في قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} (5) سورة يوسف.
وفي قصة موسى وضوح حب الأم الشديد لابنها موسى، وتعلُّقها به، كما في قوله تعالى {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} (10) سورة القصص.
ثانيًا: مكان الإخفاء وبداية الفراق: إخوة يوسف ألقوه في ماء البئر؛ ليتخلصوا منه كما في قوله تعالى: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} (10) سورة يوسف. وفي قصة موسى أوحى الله إلى أمه أن تلقيه في ماء اليم؛ لتخفيه عن فرعون، وتحميه من القتل، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} (7) سورة القصص.
ثالثًا: المدة الزمنية: يوسف انقطع عن أبيه سنوات عديدة كما في قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} (87) سورة يوسف. وموسى الرضيع انقطع عن أمه بضع ساعات كما في قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ } (13) سورة القصص.
رابعًا: سبب الفراق: بين يوسف وأبيه هو غيرة إخوته منه كما في قوله تعالى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } (9) سورة يوسف. وسبب الفراق بين موسى وأمه هو خوف الأم على موسى من فرعون كما في قوله تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} (7) سورة القصص.
خامسًا: سبب النجاة والخروج من الماء: بعض السيَّارة أخرجوا يوسف من ماء الجب كما في قوله تعالى: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ} (19) سورة يوسف. وآل فرعون أخرجوا موسى من ماء اليم كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} (8) سورة القصص.
سادسًا: مكان النشأة والتربية: نشأ يوسف في قصر العزيز ملك مصر، وتربى فيه؛ إذ أمر عزيز مصر زوجته بأن تكرم يوسف، وتُحسن تربيته، كما في قوله تعالى: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} (21) سورة يوسف. ونشأ موسى في قصر فرعون مصر وتربى فيه؛ إذ طلبت زوجة فرعون مصر منه ألا يقتل موسى كما في قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} (9) سورة القصص.
سابعًا: الابتلاء: ابتُلي يوسف بمراودة امرأة العزيز له عن نفسه داخل القصر؛ فاستعصم كما في قوله تعالى {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (23) سورة يوسف. وابتُلي موسى بقتل القبطي المصري خطأ بعد أن استصرخه الإسرائيلي كما في قوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (15) سورة القصص.
ثامنًا: الجزاء والعقوبة: دخل يوسف السجن بتهمة لم يرتكبها رغم براءته كما في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} (35) سورة يوسف. وفرَّ موسى هاربًا من العقوبة إلى خارج المدينة كما في قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ } (21) سورة القصص.
تاسعًا: البراءة والنجاة من الابتلاء: ظهرت براءة يوسف من الفاحشة عندما شهد شاهدٌ من أهل امرأة العزيز عليها كما في قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} (29) سورة يوسف. اعترف موسى بخطيئة القتل، وطلب المغفرة من ربه، كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} (16) سورة القصص.
الخلاصة:
قصة يوسف بدأت بالأب، ولا يوجد دور للأم. وقصة موسى بدأت بالأم، ولا يوجد دور للأب. وتمثل شخصية يوسف نموذج الأمانة والنزاهة والجدارة بالثقة؛ وأصبح وزيرًا لملك مصر، والمسؤول عن خزائنها. وتمثل شخصية موسى الشجاعة والقيادة الفعالة؛ واستطاع أن يُخرج قومه من مصر متحديًا فرعون الذي أهلكه الله بالغرق.