د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
غادروا مصلى العيد وفي نفوس بعضهم شيءٌ من خُطبة الإمام حين ملأها إحصاءاتٍ من «وقوعات» هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما تضمنته من إشكالاتٍ أخلاقيةٍ تمسُّ سلوك ثلةٍ من أهلها المطمئنين ومَن يساكنُهم؛ فلم يعتادوا على مثل تلك المواجهة الرقمية عبر معلوماتٍ بدت مخيفةً لأكثرهم، وربما خشُوا أن تستدعي نتائجُها شكوكًا في نفوس فئامٍ تحكمهم هواجسُ مَرَضيةٌ قد تستلزم تعاملا ضديًّا مع بنيهم وذويهم.
** لم يشك أحدٌ بمقصد الخطيب النبيل فإنما كشف ملامحَ من الواقعَ وعززها بتعداد الوقائع؛ فمهما تدنت نسبة الفاعلين فإن توعية الناس بما يدور في الأفنية الخلفية سيسهم في اتقاء امتداد الشرور نحو واجهاتها، أوهكذا شاء مُعدُّ الخطبة بنيةٍ طيبةٍ تحملُ - في مضامينها - الحرص الصادق على بنية المجتمع الجميل كما تنبهُ الغافين والغافلين.
** لم يقل بدعًا؛ فقبل سنواتٍ ليست بالبعيدة لم نكن نقرأ أو نسمع عن جناية المخدرات أو انتشارها بين الشباب، وحين زاد بلاؤُها ابتدأ الإعلامُ عنها، وظنَّ بعضنا أن في الأمر مبالغةً، ثم أيقنوا أنها لم تَصفْ غير الحقيقة المختبئة خلف التجاهل أوالتعتيم قبل إقرار الحديث عنها، ومثل هذا يتكررُ في أخلاقياتٍ مشابهةٍ صار نشرها معتادًا عبر وسائل الإعلام التقليدية قبلًا ووسائط التواصل الرقمية بعدًا، وأيقنَّا أنا مجتمعٌ بشريٌ يطاله ما يطالُ سواه فلا معنى لمن أراد تنزيهه فوق ممارسات الحَيْدة عن الطريق القويم.
** يثق الأكثرون أن ثنائية «الخير والشر» ما تفتآن متجاورتين وإن لم تكونا متوازيتين أو متوازنتين؛ فالخير أبقى والأغلبيةُ أنقى،ونشر الفضائل لا يعني مواراة أو مداراة الرذائل، والأهم أن يبقى الطرحُ عامًا لا يمسَّ معيَّنين بوسومهم أو رسومهم تأكيدًا لقيم الإصلاح وإرساءً لمساراته، وما الظن أننا سنختلف حول أننا خلقٌ من خلق الله نخطئُ ونصيب، ونسير ونتعثر، ونميل ونعتدل، ونرقى ونهبط، ونحتاج إلى أن نؤمنَ بأن نفيَ المشكلة لا يُلغيها، وعرضها لا يؤذينا، والاعتراف بها - من خلال المنابر والمنائر - سيخدمُ أساليب علاجها بكل مستوياتها الإشهارية لا التشهيرية.
** ولعل من أبرز مستويات التوعية الجماهيرية غير المباشرة: «الدراما» إذا كتبت بصورة موضوعية ومهنيةٍ، وإذا أدركنا أنها ليست إعلانًا ولا إعلامًا ولا يمكن لها أن تقوم مقام الواعظ ولا المؤرخ، ولا تجوز محاكمتُها كما لو أنها بيانٌ صحفي من إدارة علاقات، وكما لا نستطيع أن نطلب من الشاعر أن ينظم «الألفيّات» الأخلاقية ولا من الروائي أن يكتب نصائح إنشائية ولا نعيب أخيلتهما فكذا الفن الدرامي بمؤلفيه وممثليه وفنييه، وحين تتضخمُ الصور الدرامية فلتمارسَ دورها في التقاط حدثٍ حقيقي أو تخييلي وتبرزَه بتفاصيله الدقيقة حتى لو كان مشهدًا منفصلًا أو حدثًا محدودًا، ولا يجوز أخذه على أنه وثيقة رسمية أو تأريخ تأصيلي؛ فكذا فهمنا خطيبَ العيد ووعاظ القنوات وكذا نفهم المسلسلات.
** للتأريخِ مظانُه.