د.علي القرني
هل هناك فساد مسموح؟ هل يمكن أن نغض الطرف عن فساد معين دون فساد آخر؟ هل مفهوم الفساد يتعدد ويتلون ويتدرج، فيراه البعض فسادا، ولا يراه الآخرون فسادا؟
هذه أسئلة في بالغ الأهمية أمام أنظار أولياء الأمر يحفظهم الله.. فهناك نوع من الفساد لم تصله سطوة القانون، لأنه لا يوجد قانون أو نظام في الأصل، وأقصد بذلك الفساد العلمي، فقد عجزت وزارة التعليم على مدار سنوات في سن أنظمة ولوائح مشتركة للجامعات في مكافحة الفساد العلمي، أو ربما الإدارة القانونية لديها لا تريد ذلك، كما لم تضع الجامعات السعودية أي أنظمة تحد من السرقات والتحايلات العلمية التي بدأت تدب في رحاب بعض جامعاتنا رويدا رويدا، وبدأت تتفشى كمرض يعصف بمفهوم النزاهة العلمية، الذي يعد مقدسا في كل أرجاء مؤسسات العلم والتعليم في العالم.
وهناك مشكلتان في موضوع الفساد العلمي، إحداهما أن أنظمة مكافحة الفساد العلمي في التعليم والتعليم العالي في بلادنا على وجه الخصوص غير موجودة، كما هي الحالة في وجود أنظمة مكافحة التحايل والسرقات في جامعات عالمية كهارفارد وستانفورد وMIT وييل واكسفورد وكمبريدج وجميع الجامعات العالمية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا وحتى في اليابان وكوريا وسنغافورة. أما المشكلة الأخرى وهي الأهم، فهي أن المبلغين عن الفساد العلمي في بلادنا - الذين يتناولون موضوع السرقات والتحايلات العلمية في شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وغيرها أو في الصحف والمجلات الدورية ولديهم أدلة قطعية لا يختلف عليها اثنان تثبت تلك السرقات - يتعرضون لمحاكمات وأحكام رغم ثبات السرقات العلمية على مرتكبيها، وربما بعض السرقات تأتي على معظم الكتب حتى تطال الإهداء فتسرقه من المصادر الأصلية، ورغم ذلك يتم مقاضاة المبلغين عن تلك السرقات.
ورغم هذا الوضوع الصارخ في السرقة إلا أن الأحكام تأتي أحيانا ضد هذا المبلغ عن الفساد فلا توجد أنظمة تحميه لكونه كشف عن تستر أكاديمي أو تحايل بحثي أو سرقة علمية. ولهذا فإن الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل أسبوعين بحماية المبلغين عن الفساد يعد من الأهمية القصوى في هذه المرحلة، وخاصة للمبلغين عن الفساد العلمي، وينبغي أن يشتمل على المبلغين عن الفساد العلمي ووقف استدعائهم أو محاكمتهم في حالة ثبات السرقات من خلال هيئات علمية في وزارة التعليم أو جهة علمية مستقلة.
والفساد العلمي إما أن يكون مستقلا بنوع ثالث من أنواع الفساد بعد الفساد المالي والإداري، أو أن يكون هو تحت مظلة الفساد الإداري، لأن في ذلك تجاوزا لأنظمة وقوانين وأعراف النزاهة العلمية التي يتربى عليها طلاب وأساتذة الجامعات في كل دولة من دول العالم، ولا ينبغي أن يتم إخراج الفساد العلمي من تحت مظلة مفهوم الحماية الذي أمر ووجه به خادم الحرمين الشريفين في ضرورة حماية المبلغين عن الفساد.
كما أن مجلس الشورى يعمل حاليا على صياغة نظام لحماية المبلغين عن الفساد، وسأكون مستغربا جدا لو ظهر مثل هذا النظام من مجلس الشورى دون الإشارة إلى حماية المبلغين والمتحدثين عن السرقات العلمية سواء في وسائل إعلام أو شبكات تواصل اجتماعي. وينبغى أن يخطو مجلس الشورى خطوة متقدمة إلى الأمام ويفك ارتباط نظام التشهير الذي أشار إليه نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية -ويقصد به التشهير بأشخاص أبرياء أو انتهاك خصوصيات أفراد - عن نظام التبليغ عن الفساد العلمي الذي يثبت علما ومنهجا وعرفا ضد مرتكبي السرقات العلمية، ويجب أن لا يساهم مجلس الشورى أو جهات ومؤسسات أخرى في معاقبة المبلغين عن الفساد العلمي بفتح المجال لمقاضاتهم ومحاسبتهم على مبدأ التبليغ.