عبدالعزيز السماري
يعيش البشر في رحلة من البحث المستمر عن السعادة، وغالباً لا يصل أغلبهم إلى مراده، فالسعادة منتج جميل لحالة النفس الإيجابية، وليست حالة مادية صرفة، أو نتيجة طبيعية لامتلاك مطلق لوسائل الحياة، ولو كان ذلك صحيحاً لما كانت معدلات الإصابة بالإحباط والكآبة الأعلى بين الأفراد الأكثر دخلاً والأقل جهداً، بينما نجد آثار السعادة منتشرة بنسب أعلى في المجتمعات التي تعمل وتكد وتكافح، ولا تملك الكثير من وسائل الرفاهية المادية. يطرح بعض علماء النفس مقدمات لفهم حقيقة السعادة، وبعضهم يجعل من المرونة عامل أساسي في تكوين الشخصية السعيدة، وتعني المرونة على وجه التحديد فن تعلم التعامل مع الصعوبات في الحياة، وهو ما قد يخفف العبء النفسي والتوتر الذي يواجهه الإنسان في حياته اليومية، ومن أجل الوصول إلى السعادة، يجب أن تكون قادراً على إنتاج الإرادة كوقود للاستمرار بدلاً من الاكتئاب والعزلة عندما تسوء الأمور. كذلك لا يمكن أن نكون دوماً سعداء، فالمتعة حالة نسبية عابرة، وقد تكون التحديات وتجاوزها مصدر رئيسي للسعادة، ولكي تكون سعيدًا، عليك أولاً أن تتعلم كيف تكون قويًا؛ لتلتقط نفسك بعد كل سقوط، وتتعلم كيف تنفصل عن الحزن عندما لا تحقق النجاح، وأن تملك الإرادة من أجل الاستمرار بدلاً من أن تصاب بالهزيمة والخيبة وفقدان الأمل عندما تسوء الأمور ..
خلق الله الحياة في جسم الإنسان لتكون تجربة سعيدة، ولذلك جميع الحيوانات دوما ما تبحث عن المتعة وتجنب الألم. لذلك، ولهذا يتكون الدماغ من عدد غير قليل من المواد الكيميائية العصبية المنتجة ذاتيًا، ومن خلال تفاعلها تتم ترجمة متاعب الحياة والسعي فيها إلى متعة ولذة، ولذلك نشعر بالسعادة نوعاً ما عندما نسعى من أجل هدف محدد.
تكمن مشاعر السعادة في إثارة الإفراز الطبيعي للهرمونات المسؤولة عن لذة السعادة، فالإنسان عندما يحقق هدفاً، أو يتجوز محنة ما يشعر بتلك اللذة نتيجة لتفاعل الدماغ مع الحدث، وتتكون التركيبة البيولوجية للسعادة من 7 جزيئات دماغية مرتبطة بالسعادة، وربما أكثر من ذلك، وتوجد طرق بسيطة يمكن أن تحفز إفرازها في حياتنا اليومية.
فالإيمان والعمل والحركة الجسدية اليومية يحرضون على إفرازها المستمر، والعكس صحيح، فالعيش خلف عوالم الشاشة الرقمية يؤدي إلى توقف إفراز هذه الهرمونات، وبالتالي الدخول في مقدمة طويلة للكآبة، بسبب تعطيل توازن المواد الكيميائية العصبية التي تطورت لآلاف السنين في حياتنا الحديثة، مما يجعلنا أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والتوتر إذا توقفت الحركة الجسدية..
استغلت شركات الأدوية هذه الثغرة وبعض من التقدم الضئيل في فهم بيولوجيا السعادة، فقدمت وصفات كيميائية أو أدوية لإثارة تلك الهرمونات، إما على هيئة مخدرات أو بعض الأدوية المخصصة للأمراض النفسية، ولم يكن المنتج النفسي صالحاً للتداول، فالإنسان السعيد بعد المعالجة الكيمائية سواء بالمخدرات أو بعض الأدوية يبدو مختلفاً وغير طبيعي عند مقارنته بالأشخاص الطبيعيين..
السبب في ذلك أن بيولوجيا السعادة في غاية التعقيد، ويدخل فيها مكونات لم تتحقق معرفتها في العلم الحديث، فالمئات من المواد الكيميائية العصبية تشارك في تلك العملية المعقدة، وتم تحديد فقط جزء صغير فقط منهم من قبل العلماء، وقد لا يصل العلماء أو العلم الحديث إلى التحكم في السعادة من خلال الأدوية، فالمنتج الأجمل في الحياة هو حالة معقدة من التفاعلات البيولوجية مع وقائع وحركة الحياة..
خلاصة الموضوع أنه لا توجد وصفة كيمائية واحدة تناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بتصميم توازن كيميائي عصبي يرتبط بشعور ما في السعادة، ولهذا تعتبر عمليات التلاعب التجاري بمنتج السعادة من خلال تسويق المخدرات أو الأوية كارثية للغاية وقاتلة لمشاعر السعادة بين الشباب، وجاءت نتيجة للفشل التربوي سواء في المدرسة أو المنزل، فالعمل في تثقيف النشء يجب أن يبدأ مبكراً، فتعلم المرونة والصبر وأهمية الحراك الجسدي المستمر يؤدي إلى الوصول إلى تلك الشخصية المثابرة التي لا تفقد الأمل، ومهيئة للوصول إلى حالة من السعادة في معترك الحياة.