سمر المقرن
في هذا الوطن، دائماً يأخذنا الحنين إلى الماضي، لتاريخه، وشوارعه، وأيام الذكريات الجميلة التي تربطنا بحاضر يأخذ منا حُباً ووفاءً لهذه الأرض التي تشكّل منها كل ما فينا، هذه الأرض التي بدأت منها أولى نبضات حياتنا، لنخرج ونعيش ونفرح ونحزن، ونبتسم ونضحك. هذه الأرض التي تشكلّت منها هويتنا وحياتنا وأهلنا وأبناؤنا. هذه الأرض التي كنا نسير عليها صغاراً نحمل حقيبة المدرسة كل صباح، ونتلحف بهوائها ليضم كل ما فينا احتواءً في البرد، ويبعثر كل ما فينا من حنين وحنان على لهيب الصيف الذي تستهوينا لفحاته برغم حرّ القيض. هذه الأرض هي الحاضر الذي نفتخر به ونرفع رؤوسنا شامخة وسط العالم بقوته ونجاحه، هذه الأرض التي تكبر معنا وتنمو وتتغير للأجمل، ونتغير معها، نحبها وتحبنا، نغضب نتخاصم ثم نضم بعضنا كشوق عاشق فرق شتاته خصام الحب والهجران.
هذه الأرض التي تقبل منَا كل شيء، تسامح وتدمح زلاتنا خلف ظهرها، وتقابلنا بالحب كأم حنون ترضى وتغفر لصغارها شقاوتهم وزلاتهم!
هذه الأرض التي نجثو عليها ونقبلها ونضمها ونُشبعها أحضاناً، لأنها الحضن الكبير، لأنها حضن الأم التي تريد أن ترى أبناءها الأفضل والأحسن (لأنفسهم) ولا تريد لنفسها منهم أي شيء سوى التقدير والعرفان والشكر وعدم جحدان الجميل.
هذه الأرض ليس هناك من صدمة تزلزل أوجاعها إلا خيانتها.. إلا خيانة الوطن، فهي الأكثر وجعاً وتأثيرها على الوطن وعلى الناس وعلى المجتمع وعلى كل شيء بلا استثناء. قد يغفر الإنسان خيانة (ما) ويسامح، وقد يضع الشخص الخائن مبرراته للطرف الآخر. لكن خيانة الوطن لا يُمكن أن تُغتفر، لأنه ليس لها مبرر سوى الحقد والجحود والنكران!
هذه الجهات التي تستهدفنا، وجدت للأسف من بني جلدتنا ممن لديهم نقص أو انعدام في الوازع الوطني، ليصبحوا أدوات للشر باستخدام قضايا وشعارات تخرج كحق يراد به باطل وتدمير لمنظومة الأسرة التي منها ينمو المجتمع ويتشكل لهوية تنموية تبني الحاضر وتُعد للمستقبل أدوات أكثر تطوراً وعطاء، هؤلاء منهم شباب صغار راحوا ضحايا لهذه الأفكار، ومنهم كبار في السن أرادوا صناعة بطولات وهمية من بوابة الخيانة، نمت بذرتها في داخلهم بالحقد والغدر والجحود، هؤلاء أرادوا هزيمة الوطن وهزيمة المجتمع كما يحلمون، لكن أحلامهم السوداء لم تكتمل ولم تتحقق في ظل هذا الوطن العظيم بقيادته وأبنائه، وكما قال الأمريكي جون هارينغتون: (الخيانة لا تزدهر، لأنها إذا ازدهرت فلن يجرؤ أحد على تسميتها خيانة).