فهد بن جليد
دعوات الشركات والمؤسسات والجمعيات لإفطار أو سحور رمضان قد تكون الأكثر - بالنسبة لي شخصياً هذا العام - مُقارنة بالأعوام الماضية، عندما حافظت فيها (دورِّيات) الإفطار الشخصية على وضعها ومكانها الطبيعي كأيقونة مُجتمعية بين الأصدقاء والجيران والأقارب من باب التواصل والتلاحم والتراحم في هذا الشهر، بل إنَّ رمضانات التي أقضيها خارج المملكة بسبب ظروف العمل، كانت هي الأخرى تشهد نوعاً من (الدورِّيات الخارجية) المُشابهة، والتي نقلناها بثقافتنا حول مشاعر رمضان إلى تلك الأماكن، بعكس الشهر الحالي الذي كان لافتاً فيه تراجع هذا النوع من المُجاملات الشخصية والاستعراض بكثرة الأطباق وتنوعها، والإسراف في الموائد، والتنافس في تقديم الأكثر والأغرب منها على حساب جهد وميزانية صاحب الدعوة وأهل بيته، والمُقارنة بين قُدرات (مطبخ) كل منزل، والذَّريعة التي يسوقها الجميع هي البحث عن (أجر تفطير صائم)، رغم أنَّ ما يتم صرفه على بذخ بعض هذه العزائم يكفي لتفطير (جيش من الصائمين) وليس نفرا من الأصدقاء والأقارب.
رفع شعار الاعتذار عن قبول بعض (الدعوات الرمضانية) كان لا فتاً لدى كثيرين هذا العام، وهو ما أسهم في انخفاض عدد الدعوات, بحجة ضيق وقت الإفطار والتزامات الأسرة وقت السحور، وهو نوع من تغير السلوك الاجتماعي والتكيُّف مع المُتغيرات الاقتصادية، ومُحاولة مُشَاهدة ومَلمُوسة للتخلص من أي التزام بدورِّيات (موائد رمضان)، لستُ ضد بقاء هذه العادة الروحانية الاجتماعية الجميلة، التي توارثتها الأجيال كفرصة تواصل للقاء كثيرين من حولنا لا يمكن رؤيتهم أو زيارتهم في غير الشهر الفضيل، إلاَّ أنَّ ما كان يُرافق بعض هذه الموائد من إسراف وبذخ، لا يتناسب - بكل تأكيد - مع الوعي الذي اكتسبه المُجتمع اليوم من المُتغيرات الاقتصادية، ممَّا جعل شعار (لا تعزمني ولا أعزمك) مُتفقاً عليه في الغالب بمعنى أفطر في بيتك وأنا سأفطر في بيتي، وسنجد سوياً طريقة أسهل لكسب الأجر والمثوبة بتفطير صائم (بحبات من تمرٍ ورشفة ماء).
أتوقع أنَّ هذا الانخفاض في عدد دعوات موائد رمضان الشخصية، سيُقابله بقاء وازدهار سحور الشركات وإفطار الجمعيات أكثر وأكثر، لأنَّ الهدف الحقيقي من هذه اللقاءات والموائد ليس البحث عن (أجر تفطير صائم) بقدر ما هو فرصة مُجاملة حقيقية لاستعراض الإنجازات، والتعريف بها، وكسب ثقة وولاء العملاء، والبحث عن دعمهم، بمعنى أنَّها لقاءات (تبادل مصالح) لهذه الجهات على (موائد الخير)!.
وعلى دروب الخير نلتقي.