رجاء العتيبي
لهذا نقول وبكل تأكيد أن الذي لا يعرف عناصر أرسطو في الدراما لن يكتب عملا دراميا مهما كانت خبرته وتجربته وتاريخه ونجوميته, والذي لا يعرف معايير برتولد بريخت لن يكتب عملا ملحميا (فكريا) مهما كنت خبرته وتجربته ونجوميته, هذه مدرستان متقابلتان: أرسطو يدعو للإيهام, وبريخت يدعو لكسر هذا الإيهام, ولكل منهما مبرراته ومعاييره.
لا نتوقع من كاتب سيناريو أن يمسك القلم وهو يجهل عنصر الحدث في العمل الدرامي, كيف يتطور ويتصاعد, ومن يدفعه للأمام, وكيف يضع عنصر المفاجأة, والاستكشاف والانقلاب والضرورة والاحتمال, هذا عنصر واحد, فما بالك ببقية عناصر الدراما؟.
هناك مشكلة لدى من يكرر نفسه, هناك ألف احتمال لوجودها, أهمها الجهل بعناصر الدراما, لأن الذي لديه قالب واحد لا يغيره بتغير الزمان والمكان والناس والعالم والنظريات, لا يمكن أن يتغير, وسيبقى كما هو, فيما الناس تتغير تبعا لسنة الحياة , عناصر الدراما ـ كقاعدة - شبه ثابته, ولكن الذي يتغير محتوى العنصر ذاته, كل عمل درامي فيه حدث, ولكن الحدث متغير من قصة لقصة, وكل قصة فيها حدث. ولا يمكن للقصة أن تكون بدون حدث, إلا في مدارس فنية أخرى ليس المجال لذكرها هنا.
الجمهور لديه ذاكره قوية, وإن نسي البعض يذكر بعضهم الآخر, فالتكرار مكشوف وممل ومدعاة لهروب المشاهدين, التماهي مع الحياة ليس بالكلمات ولا العناوين والعبارات ولا اللباس والإكسسوارات, التماهي مع الزمن يرتبط بالفكرة الإبداعية الأصيلة, قبل أن يكون في الشكل والقشور.
سؤال: لماذا لا تكرر الأفلام الأمريكية نفسها؟ أفلام لا حصر لها, ومع ذلك كل فيلم له شخصيته المستقلة, مع ملاحظة أن كل فيلم يتضمن عناصر الدراما ذاتها, ببساطة لأن كل فيلم يحمل فكرة إبداعية, وإذا اختلفت الفكرة, لا يمكن أن يتشابه الفيلم مع غيره, حتى لو أن القالب (الدراما) واحد. لماذا لا تكرر الأفلام الأمريكية ؟ هذا هو السؤال.
ما الذي يمنع المنتج أن يأتي ( بمخرج إبداعي) يتولى عملية توليد الأفكار, ما الذي يمنع المنتج أن يأتي بكاتب سيناريو يملك لغة جديدة غير لغة (المنتج) التي تتكرر في كل أعماله؟ ما الذي يمنع المنتج أن يأتي (بمخرج تلفزيوني) محترف يأتي (بكوادر) جديدة غير التي يكررها المنتج في أعمالها السابقة؟ أيضا هذا هو السؤال؟