د. حسن بن فهد الهويمل
مهما يكن:- [إِنَّ البَعُوْضَةَ تُدْمِيْ مُقْلَةَ الأَسَدِ]
وتعليل النفس بِبَيْت:-
[لَوْ كلُ كَلبٍ عَوى ألقَمْتَهُ حَجَراً … لأصبحَ الصَّخْرُ مِثْقَالاً بدينارِ]
لايجوز تعميمه مع كل {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}، إذ ربَّما يقول السَّماعون:-
[قَدْ قِيْلَ مَا قِيْلَ إنْ صِدْقا وَإِنْ كَذِبا … فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ قَوْلٍ إذَا قِيلا]
في الآونة الأخيرة بدت البغضاء، من أفواه الموتورين، وما تخفي صدورهم أكبر.
حقد دفين، لايمكن تصوره، ولا تَحَمُّلُه، ولست أشك أن وراء هذا الطفح الرخيص مكيدة عدوانية، لحمل [المملكة العربية السعودية] على التخلي عن بعض أدوارها المشرفة في [القضية الفلسطينية]. بوصفها الداعم الأقوى، والأدوم.
المواطن السعودي نفد صبره، وفاض معينة، وقد تجتاله عاطفة الأنفة، والإباء، فيمارس الضغط على الدولة، لحملها على ردع تلك الشرذمة الحقيرة، وذلك بالتخلي عن بعض الدعم [اللوجستي] للقضية الفلسطينية، لمجرد أن [حماس] ارتمت في أحضان العدو الأخطر [إيران].
وأن شرذمة قليلة من فلسطينيي الشتات، يَفُوق حقدهم على المملكة، وقادتها حقد الصهيونية العالمية.
أنا لست من دعاة وضع الطين، والعجين في الآذان، ولست مع القائلين بالمرور على اللئيم، وهو يسب:-
[فمَضَيْتُ ثَمَّتَ قُلْتُ لا يَعْنِينِي]
لابد أن نضع نهاية لهذه [الحُطَيئِيَّاتِ]، وهذا التطاول القذر، وتلك السفاهة، والسفالة وذلك بالتصدي لأولئك وكشف الأصابع القذرة التي تحرك تلك الدمى.
فلسطينيون هنا، وهناك، لايترددون في افتراء الكذب، والتهوين من دور المملكة في [القضية الفلسطينية]، بل واتهامها بالتآمر على القضية، والأمة فضلاً عن التخلي.
دَعْمُنا المتميز ليس وقفاً على [مليارات] الدولارات التي تصل بالسر، والعلن، ولكنه يمتد ليشمل المواقف التي لايقفها زعماء فلسطين أنفسهم، فضلاً عن المرتزقة، وبائعي الضمائر، والألسنة، والأقلام.
شرفاء فلسطين، -وما أكثرهم- المقيمون، وفي الضفة، وغزة، والشتات لايسعهم السكوك، ولايشرفهم غض الطرف.
موقف المملكة الفريد الذي لم يقفه أحد، حتى أصحاب القضية، يُعَرِّض مصالح المملكة للتعثر.
نحن دولة، وشعب لنا مصالح متشابكة مع دول العالم، ولنا علاقات متعددة، ولنا عهود، ومواثيق، يفرض علينا إسلامنا احترامها.
لانود أن تتقارب خطانا في كافة مهماتنا، ومصالحنا، لمجرد أننا لانزايد على قضيتنا. ولا نطلب إلا الكف عن الإيذاء، والافتراء.
الإشكالية ليست في الخسارة المادية التي ندفعها بطيب نفس. الإشكالية في تأثير مواقفنا سلباً على علاقاتنا الدولية. فيما يتراجع غيرنا مُغَلِّباً مصالحه الإقليمية. ومع ذلك لايتلقى الذم، ولا التخوين، ولا الاتهام الذي تكابده المملكة.
أنا لا أريد التخلي عن القضية، لأنها قضيتنا، بل هي قضية العالم العربي، والإسلامي، ونحن منه في الذروة. ولكنني لا أريد أن نتحمل وحدنا تبعات المواقف المريبة.
الفلسطينيون الصامتون، أو المجاملون على حرف، هم وحدهم المسؤولون عن التصدي للمرتزقة، والمتاجرين بالقضية. أناشد شرفاء فلسطين أن يكونوا في مستوى مسؤوليتهم.
كلمة مجاملة يقولها السفير، أو الوزير، أو زيارة عابرة لإسقاط المسؤولية، وتطييب الخاطر غير كافية.
لابد من تحمل المسؤولية، ووضع المناوئين في القائمة السوداء، وتطبيق أقسى العقوبات عليهم، وإطلاع المملكة على كل الإجراءات الرادعة، وذلك بممارسة الضغط اقتصادياً، وإعلامياً، ومطاردة خونة القضية حقوقياً، والإعداد لمحاكمتهم، وذلك أضعف الإجراءات. وهذا لايتعارض مع حرية الرأي، ولا مع الاختلاف:-
[وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها]
أما أن يُتْركوا، وهم ألد أعداء القضية، والاكتفاء بتصريح عابر، فأمر لايقبل به المواطن السعودي، الذي شوهت سمعته، ولقي أثر هذا التشويه.
لقد قال لي بعض الأصدقاء الرحالة:- إننا نُقَابَلُ في بعض الأحيان بالاشمئزاز، والنقد في بعض الدول، من السماعين المغرر بهم. حتى لقد كثر اللغط حول موقف [عرب الشمال] من المملكة وهي ظاهرة أكاد أخفيها.
[المملكة العربية السعودية] حكومة، وشعباً من أشرف الدول، وأكرم الشعوب، وأوفاهم في الشأن الفلسطيني.
هذه حقيقة، لايغالط فيها إلا مارق، مرتزق. يفتري الكذب، ولا يتردد في تخوين المملكة، وشعبها.
الفلسطينيون يعترفون بإسرائيل، ويقابلون زعماءهم، والمملكة لم تعترف، ولاتسمح لأحد من رعاياها بمقابلة أي مسؤول إسرائيلي.
بعض الدول العربية تعترف بإسرائيل، وتتبادل معها العلاقات الدبلوماسية، والتجارية، والزيارات، وليس شيء من ذلك تفعله المملكة.
بعض الدول العربية لاتفي بكل التزاماتها المادية، والمملكة تسابق الزمن بالدعم، بكل أنواعه.
من حق كل إعلامي محترف التعبير عن رؤيته، وإن اختلف معنا، ولكن ليس من حقه افتراء الكذب، وتخوين قادتنا، والتفرغ للنيل منا على شاكلة [عطوان].
أحدهم، وأحسبه [أحمد العمدة] بلغ الدرك الأًسفل في النيل من قادة بلادي، فيما لم يبلغ يهودي إسرائيلي مبلغه من الحقد، والضغينة، حتى لقد رد عليه بعض افتراءاته.
يجب أن نضع حداً لهذا الهراء، تحت أي مسمى، وإلا صدق علينا قول القائل:-
[مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ]
لقد طفح الكيل، وبلغ العهر الأخلاقي أخط مستوياته، و[من أمن العقاب أساء الأدب]
إن بالإمكان قمع الشرذمة القليلة المجندة للنيل من المملكة. والمملكة بإمكانياتها الدبلوماسية قادرة على إلجام الطغام، ولكن واجب المشاطرة يقع على الشرفاء من الفلسطينيين أنفسهم، المقيمين في المملكة، وخارجها.
والمشاطرة مسؤولية [منظمة التحرير] التي تجد بإمكانيات المملكة ملاذاً، كلما أدلهمت الأمور.
لانريد أن نعيد خطاء الفلسطينيين في الكويت، ولانريد أن نعيد انحياز [ياسر عرفات] للعراق.
بالسكوت يستمرئ الخونة تلفيق التهم، وإشاعة المفتريات، تحت مسمى حرية التعبير، المكفولة لكل معارض، أو مختلف شريف. لأننا لسنا فوق النقد، والمساءلة.
لقد خذلنا [عرفات] في أحلك الظروف، وتجاوزنا. وخذلنا زعماء [حماس] في حربنا مع الصفويين، ومازدنا على الصمت، وجاء شرذمة من أراذل الشتات، يبيعون قضيتهم بثمن بخس، ولما نزل على موقفنا المشرف من القضية.
[المتنبي] حين أهين في مجلس [سيف الدولة] لجأ إلى بلاغته، ليشفي صدره:-
[أَنا صَخرَةُ الوَاِدي إِذا ما زُوْحِمَت … وَإِذا نَطَـقتُ فَـإِنَّنـي الجَـوزاءُ]
لانريد بلسمة جراحنا باستعراض قدراتنا البلاغية، نحن نملك المقايضة، ونملك مشروعية الرد:-
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}. نريد ردع المعتدي، وإهانة الوضيع.
أحسب أن الوقت قد حان لوضع الشرفاء الفلسطينيين أمام مسؤؤليتهم، ليقولوا، وليفعلوا. فحرية الرأي في اختلاف وجهات النظر، وليست في إصدار الأحكام الجائرة على المملكة، واتهام قادتها بالخيانة، بدءاً من [الملك عبد العزيز] حتى ولي العهد السعودي.