يوسف بن محمد العتيق
في مقاله (إعادة تعريف مهمة المؤرِّخ) أثار الزميل المهندس عبد المحسن الماضي مجموعة من التساؤلات المهمة في مهمة المؤرّخ ومهمة الصحفي، وتحدث زميلنا الماضي باختصار عن العلاقة وأوجه الشبه والاتفاق والافتراق بين المؤرِّخ والإعلامي.
أعجبني في حديث زميلنا الماضي أنه ناقش (ولو باختصار) مقولة «التاريخ يصنعه المنتصرون» وبيّن أنها في زمننا هذا ليست على إطلاقها، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث إن الخاسر والمنتصر أصبحا على حد سواء يملكان مكينة إعلامية تلقي بالمتابع في حيرة، وبخاصة إذا كان الخاسر يملك من الإمكانات الإعلامية المادية والبشرية أكثر من المنتصر، هنا يكون المتابع في حيرة في زمن الحدث، فما بالك بعد سنوات من وقوع هذا الحدث؟
أن يكون الإعلامي مؤرِّخاً، والمؤرِّخ إعلامياً هذا مستحيل، فكل منهما له منهجيته وطريقته في العمل، وكل منهم له الشريحة المستهدفة التي تختلف عن غيره، لكني آمل في زمننا هذا أن يكون لدى المؤرِّخ إمكانات الإعلامي في نشر الخبر، وأن يكون في الوقت نفسه لدى الإعلامي إمكانات المؤرِّخ في الدقة والمنهجية التاريخية.
أحسن الماضي في حديثه أن المؤرِّخ يتفوَّق على الإعلامي في فهم التاريخ وتقديمه بالصورة المطلوبة، وهذا مشاهد محسوس، لكن يبقى الإعلامي هو من يوصل الخبر للإعلامي أو يحفظه على أقل تقدير.
المؤرِّخ يستحيل أن يكتب دون أن يكون على طاولته المواد المستقاة من الإعلامي فهو الذي يوثّق الأخبار في صورتها اليومية والأسبوعية والشهرية وبالتالي تمثّل الأرضية التي يعتمد عليها المؤرِّخ في كتابة التاريخ وتحليل وتفسيره، وفي الوقت نفسه لن يكتب الصحفي مادة أصيلة في كثير من الموضوعات اليومية دون أن يقدّم للقارئ خلفية تاريخية عن الموضوع الذي يكتبه وإلا أصبحت المادة الإعلامية التي يقدّمها للقراء ناقصة، وقد تستعصي على الفهم.
ختم زميلنا الماضي حديثه بقوله: (اليوم اقتربت مهنة المؤرِّخ المعاصر من مهنة الصحفي المعاصر.. لكن هناك فروقات بينهما.. فالصحفي يتحدث عن الواقع الظاهر وتأثيراته الآنية دون الغوص في تفاصيل الحدث وجذوره.. وهو أقصر نظراً من المؤرِّخ وإن كان يتفوّق عليه بأنه يسبقه في تدوين الحدث).
وهذه وجهة نظر تحتاج إلى شرح وتفصيل، وقد يفهم منها دمج هذين الفنين مع بعض أو أننا اقتربنا من ذلك.
ولا أدري بناءً على حديث المهندس عبد المحسن في اقتراب مهنة الصحفي من المؤرِّخ أو العكس...كيف سيكون المؤرِّخ، وكيف يكون الصحفي، أم هل سينتج من هذا التقارب مهنة جديدة تنتج من هذا الاقتراب؟
المؤرِّخ بهدوئه ودقته والصحفي بصخبه وضجيجه (وربما كثرة مشاكله)، والمؤرِّخ بتركيزه على الماضي، والصحفي بتركيزه على الحاضر هل يقتربان من نقطة التقاء، هذا سؤال أطرحه على طاولة الزميل الماضي، وفي انتظار الجواب.
مع علمي بأنه قريب، بل ومندمج مع هذين المجالين وأهلهما وصنّاع الفكرة والكلمة فيهما بشكل استثنائي.