ظاهرة جديدة في عالم الإرهاب اليوم هي الإرهاب الخفي التي مع الأسف تسرق منا أولادنا وبناتنا من منازلنا للجماعات الإرهابية بلمح البصر، فقد باتت الوسائل التقنية الحديثة والطفرة الإلكترونية الأخيرة تشكل سلاحاً قوياً للإرهاب وللجماعات الإرهابية المتطرفة، عن طريق تجنيد المراهقين وضعاف النفوس والعمل على تغيير أفكارهم ومعتقداتهم في ظل قلة تكلفتها وانتشارها الواسع بين جيل الشباب، وذلك للوصول إلى تنفيذ مخططاتهم الدنيئة والقذرة التي تحاول المساس بأمن الوطن واستقراره. ويمثل الإعلام الإلكتروني الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة عنصراً فتاكاً وخطراً في الأوقات والأزمات واستخداماتها خاصة في الحروب المخفية، ومن هنا وفي إطار ما يواجه المجتمع من هجمات إعلامية مشبوهة في وسائل الإعلام الإلكتروني من نقل وارسال الرسائل لبث الفتن والموضوعات الكاذبة والإشاعات من أجل التضليل وإشاعة البلابل والأخبار المفبركة لخدمة سياسات دول ومنظمات إرهابية تصدر الإرهاب والأفكار الخبيثة لوطننا الغالي من أجل إفساد التنمية التي نعيشها جميعاً، فلا يجب أن يشارك أي مواطن بلا علم في الإرهاب الإلكتروني الذي يروج له أعداء وطننا من خلال نقل بعض الصور والفيديوهات والرسائل السياسية أو الحزبية أو الفكرية من مواقع التواصل الاجتماعية وتمريرها. ولنكن حريصين كل الحرص في التحري والتقصي قبل إرسال أي من تلك الرسائل المخالفة والمحبطة والسلبية وخاصة تلك التي تمس أمن وطننا، ومتابعة كل من له علاقة من أبناء أو اخوة أو أصدقاء، ولتكن أنت رجل الأمن الإلكتروني في مثل تلك الرسائل، فإن الإعلام الإلكتروني هو آخر الأسلحة في مواجهة الإرهاب أما سلباً أو إيجاباً. ومع الأسف الشديد فإننا نشهد في بعض وسائل التواصل الاجتماعي العديد من تلك الرسائل وهي شكل من أشكال الفوضى الإعلامية، وخاصة مع قضية الإرهاب، في نقل وإعادة رسائل لا تخدم الأمن في بلادنا حرسها الله.
والسنوات الأخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً في استخدام الجماعات والمنظمات الإرهابية للمواقع الإلكترونية ولوسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، ومحاولتهم لاستغلال التقدم التقني لتنفيذ أعمالهم ومخططاتهم الإجرامية الخبيثة ضد وطننا؛ حتى أصبح العالم يواجه أنماطاً جديدة من الجريمة المنظمة والإرهابية، وخاصة عندما استشعرت تلك الجماعات الضالة أهمية المواجهة الإلكترونية، والتحول نحو أشكال جديدة من المواجهة، واستغلال وسائل غير تقليدية لتحقيق أهدافها والتوسع في عملياتها، ومحاولة الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة في المجتمع وتجنيدهم بسهولة ويسر، إذ بات الفضاء الإلكتروني مرتعاً خصباً للإرهابيين بكافة توجهاتهم التكفيرية. ولقد أصبح أبناؤنا مستهدفين في العالم الافتراضي من قبل جنود الإرهاب الناعم والمتخفّي، وإلى حبائله التي تتجدد وتغيّر خصائصها كالفيروسات التي لا تجدي معها المضادات.
ولا شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد في الوقت الحاضر أهم الوسائل التي تعتمد عليها المخططات الاستراتيجية للأعمال الإرهابية لنشر العنف والجريمة المنظمة والإرهاب، حيث يستخدم المحرضون والمجندون والداعمون للإرهاب مواقع التواصل الاجتماعي بشكل احترافي لتحقيق رغباتهم في أمور تدعم أعمالهم الإرهابية بشكل كبير ومقلق، وذلك من خلال استخدامها في خلق ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة، التي من شأنها إحداث بلبلة داخل المجتمع، كما يتم توظيفها لشن الحملات المسيئة لمؤسسات الدولة، وكذلك لمحاولة تضليل الأجهزة الأمنية من خلال نشر البيانات والمعلومات الأمنية غير الصحيحة لبث الهلع والرعب والخوف بين المواطنين. ويستخدم الإرهابيون مواقع التواصل الاجتماعي للتنسيق فيما بينهم لشن العمليات الإرهابية ضد المؤسسات المختلفة، لعدة أمور أهمها في الوقت الحاضر وأخطرها العمل على مواقع التواصل الاجتماعي عبر تجنيد إرهابيين جدد والتنسيق فيما بينهم لتدريبهم للقيام بالعمليات الإرهابية الجديدة مما يخلق مجتمعاً إرهابياً افتراضياً، لذلك نشاهد أن الإرهابيين يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي لنشر عملياتهم الإرهابية عبر الترويج لها، إذ يرون في التغطية الإعلامية معياراً مهماً لنجاحهم في تنفيذ عملياتهم، دون أن يكون هناك أي حراك وقائي مضاد في مواقع التواصل الاجتماعي من أجهزة الدولة المختلفة للحد من خطر استخدام هذه الوسائل لدعم الإرهاب. وبلا شك إن طبيعة الفضاء المفتوح وعدم وجود طريقة لمنع نشر هذه المعلومات المغلوطة، وسهولة الاستخدام، والقدرة على التخفّي والتمويه والتشكيك، والمهارة الفائقة في توظيف مواقع التواصل، والمتابعة القوية من الكثير من الشباب والمراهقين لهذه المواقع هو الذي ساعد الجماعات الإرهابية التكفيرية المتطرفة على الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي وتسخيرها لخدمة أفكارهم الهدامة، مما دفع الحكومات في كثير من دول العالم على مراقبة ومتابعة ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي؛ للحفاظ على أمنها الوطني، مما أثار موجة من الانتقادات الحادة للمطالبين بحرية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن رقابة الدول.
يجب أن نعترف بأن الإرهابي بالأمس كان يتسلح ببندقية، أما إرهابي اليوم فجهاز حاسب محمول وهذا الذي حول الإنترنت لأداة رئيسة في النشاط الإرهابي الدولي.. لقد خدم الإنترنت الخلية الإرهابية من حيث تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم تلك الخلايا التي تمتلك عدداً قليلاً من الأفراد لديهم أو لدى أحدهم خبرة بالإنترنت وبرامج الملتيميديا لبث رسائل إعلامية تخدم أهدافهم لشن حرب نفسية ضد مستهدفيها والدعاية لأهدافها وأنشطتها بعيداً عن وسائل الإعلام التقليدية.. كذلك لتحقيق الترابط التنظيمي بين الجماعات والخلايا ولتبادل المقترحات والأفكار والمعلومات الميدانية حول كيفية إصابة الهدف واختراقه والتخطيط والتنسيق للعمل الإرهابي.. كذلك في تدمير مواقع الإنترنت المضادة واختراق مؤسسات حيوية أو حتى تعطيل خدماتها الإلكترونية. إن أهم العناصر التي تخدم الخلايا الإرهابية التي توفرها لها الإنترنت: التنقيب عن المعلومات: حيث إن شبكة الإنترنت عبارة عن مكتبة مليئة بالمعلومات الحساسة. الاتصالات: حيث تساعد الشبكة الإلكترونية على الاتصال بين أعضاء الخلية الإرهابية بعضهم ببعض والتنسيق فيما بينهم وذلك لقلة تكاليف الاتصالات مقارنة بالوسائل الأخرى، كما تمتاز بوفرة المعلومات التي يمكن تبادلها بالصوت والصورة. التعبئة وتجنيد إرهابيين جدد: وهذا الأمر يحافظ على استمرار الخلية وبقائها، وهم يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمي الإنترنت مع قضاياهم ويجتذبون المراهقين بعبارات حماسية مثيرة خاصة من خلال غرف الدردشة الإلكترونية. إعطاء التعليمات والتلقين الإلكتروني بواسطة مواد مرئية ومسموعة مثيرة تشرح وببساطة طرق صنع القنابل والأسلحة المختلفة. التخطيط والتنسيق: حيث تُعتبر الإنترنت وسيلة اتصال بالغة الأهمية بالنسبة للمنظمات والخلايا الإرهابية، حيث تتيح التنسيق لشن هجمات إرهابية ويستخدم أرباب الإرهاب emails و chat rooms وغيرها لتدبير الهجمات الإرهابية وتوزيع الأدوار وتنسيق الأعمال والمهام لكل عضو في الخلية.
الحصول على التمويل حيث إن أرباب الإرهاب يحصلون من الإنترنت على قوائم إحصائية سكانية للتعرف على الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة، ومن ثم استجداؤهم لدفع تبرعات وصدقات وزكاة لأشخاص اعتباريين أو مؤسسات خيرية يمثلون واجهة لهؤلاء الإرهابيين، وذلك بطرق لا يشك فيها المتبرع بأنه يساعد إحدى المنظمات الإرهابية. مهاجمة المنظمات الإرهابية الأخرى: حيث إن الإنترنت هي حلبة مصارعة بين المنظمات وبين الخلايا وحتى أعضاء الخلية الواحدة وتمتلئ المواقع الإلكترونية بالسباب والتشاتم واللعان بينهم.
ومما لا شك فيه أنه يتوجب الاعتراف أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح إعلامي مهم جداً لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن حجبه بل توجيهه في المسار الصحيح بما يخدم المصلحة الوطنية للبلاد، مع ضرورة تسخير مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق متطلبات وآمال وأماني ورغبات الشعوب وتعزيز التعاون الثقافي بين الأمم. وعلى شركات الاتصالات أن تنظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي على أنها وسائل مهمة تقدم الكثير من الحقائق والفوائد بدلاً من النظر إليها بعين الريبة والحذر، بالإضافة إلى الاستفادة من إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي بما يخدم المصلحة الوطنية العليا للبلاد من خلال نشر كل ما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن بطريقة جاذبة ومشوقة وتوظيفها للحفاظ على المكتسبات الوطنية ودعم أمن واستقرار البلاد من خلال تقديم المعلومات الصحيحة، والتصدي لجميع الحملات المغرضة التي فيها تشويه للمنجزات السياسية والأمنية والفكرية وغيرها. ولكن مع ذلك كله يجب أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي تحت عين الرقيب كي لا تكون مرتعاً للإرهابيين لتجنيد الشباب لتدمير وأمنهم ووطنهم. وهذا هو الخطر المتحقق والمتمثل في الإرهاب الخفي الذي يغزو عقول وقلوب المراهقين بلا أدني علامات ولا تحذيرات.