د. محمد عبدالله العوين
لو لم يأذن لي أبو عبد الرحمن بتناول تاريخه الأدبي كله، ما ترك منه وما أبقى، وما رضي عنه وما لم يرضَ، لما أومأت إلى ذلك التاريخ الأدبي الشفاف، والبوح الإبداعي الرقيق الذي نثره بأسلوب عذب، وروح فنية عالية، وشغف عاشق للجمال حسًّا ومعنى.. لولا أنه منحني الإشارة بيده أن لا بأس ولا حرج لم أكن لأقف عند بعض رؤاه مما قد يرى نفر من محبيه أنه ربما يود أن أضرب صفحًا عن ذكر الماضي من سيرته الأدبية.
وأذكر لكم الآن كيف منحني الشيخ الفاضل الإذن بالحديث عن ذلك.
بعد أن أنعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - على أديبنا بمنحه وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في الاحتفال الرسمي لانطلاقة المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية في دورته الثلاثين بتاريخ 23 - 4 - 1437هـ باعتباره «الشخصية المكرمة»، عُقدت في الليلة التالية الندوة الكبرى عن أدب الشيخ ودراساته وسيرته بقاعة الملك فيصل بفندق الإنتر، وشارك فيها عدد من الباحثين والنقاد، وحضرها جمهور كبير من محبيه وطلابه والراغبين في المعرفة؛ فامتلأت القاعة على رحابتها.. كما حضرها الأدباء والمفكرون ضيوف المهرجان من الوطن العربي، وجمع كبير من الأدباء السعوديين.
كانت ورقتي العلمية عنه تحمل عنوان «التشاكل بين ابن حزم وابن عقيل»، وتناولت فيها وجوه الشَّبَه، ونقاط الالتقاء النفسية والفكرية والأدبية التي جمعت الشخصيتَيْن، ودفعت الظاهري الحديث إلى أن يقتدي بالظاهري القديم، ويتأسى به.
ولكنني وجدتُ شيئًا من الحرج في الاستدلال ببعض ما كتب من تجلياته العاطفية والفنية؛ فرأيت أن أستأذنه - وكان من ضمن الحاضرين - فإن أذن لي قرأت، وإن لم يأذن قفزت عن التجليات والبوح إلى غيرها مما لا يمكن أن تكون مثار حرج للشيخ. وسألته بصوت واضح عبر المايكروفون وأنا على المنصة: ماذا أفعل؟ أقدم أم أحجم؟! فأشار بيده: أن لا حرج. صفَّق الجمهور لأريحيته وسماحته ولطفه مع تلاميذه. وما إن قرأت مقطعًا إثر مقطع، على الأخص من كتابه «هكذا علمني ورد زورث»، عن تجلياته في عشق الجمال ومتعة الفن، وغرامه بصوت أم الوليد، حتى ضجت القاعة بالتصفيق مرات عدة.
وهذا الموقف اللطيف يعيدني إلى عام 1402هـ؛ فقد زرت الشيخ ضحى يوم خميس بعد اتفاق معه على موعد لحوار أدبي طويل للملحق الأدبي بجريدة المسائية التي كانت تصدر آنذاك، ووجدته جالسًا في غرفة الاستقبال الصغيرة، ومهيأ للحوار بنشاط وافر وروح عذبة، وباب الشقة المتواضعة في حي «غبيرة» التي أسماها «دارة داوود الظاهري» مواربًا؛ والمعنى أن على الزائر أن يدخل بعد قرع الجرس أو رفع الصوت.
لقد باح الشيخ بآرائه في الظاهرية وغيرها، وآراء معارضيه وناقديه بكل جرأة وشجاعة.. ولمن أراد العودة إلى نص الحوار كاملاً سيجده في كتابي «مواجهات».