عبدالعزيز السماري
من معاناة المرء في محيط عمله أن يكتشف مخالفة جسيمة من سلطته الأعلى، ثم تبدأ معها دوامة تأنيب الضمير، وهل يجب التبليغ عن تلك المخالفة؟، أم أن خيار الصمت هو الأفضل والأسلم من أجل استقرار المستقبل الوظيفي، وهو ما يطرح السؤال الأخلاقي الأشهر: هل تعارض من هم أعلى سلطة منك..!
كانت هذه المقدمة مثارًا للأسئلة في علوم وأدبيات الإدارة الحديثة، وقد استشهد أحد المؤلفين لمقالة مماثلة في هذا السياق بحادثة لأحد المشهرين بالخطأ، الذي اكتشف أن الرئيس التنفيذي في شركته اختلس من أموال الشركة، وما تبعها من عواقب مدمرة له لعدم سكوته عن الخطأ، فقد خسر وظيفته وخسر عائلته، وعندما سأله الباحث عما إذا كان سوف يتكلم عن الخطأ لو علم بأثاره المدمرة على حياته، وقال قطعاً لن أتكلم، ثم تابع بحسرة « ولكن كيف كان لي أن أصمت!.
في هذا المثال يبدو مشهد من مشاهد الصراع الأخلاقي الذاتي، فالبعض يرى أن من واجب المرء الأخلاقي وما يمليه عليه الضمير أن يبلغ عن الجرم الذي اقترفه مسؤوله الأعلى، لكن من جانب آخر ربما عليه أن يتأنى قبل اتخاذه القرار، فالأثار المترتبة على كشفه عن الخطأ، قد تكون مدمرة له، و على مستقبله العملي في الشركة أو المؤسسة.
تتحدث الدراسات أن الأغلبية من الموظفين يختارون الصمت من أجل مصالحهم الشخصية، وربما ساهم في الوصول إلى هذا الخيار ما انتهى به الذين قرروا أن يكشفوا عن أخطاء من هم أعلى سلطة منهم في المؤسسة، لكن ذلك لا يعني أن تلك القلة ستتوقف عن الخروج والتعبير عن أرائها، فالموقف الأخلاقي من الأخطاء يختلف من شخص إلى آخر.
في تاريخنا الإسلامي حدثت إشكاليات مماثلة، لكنها كانت أكثر دموية، فقد تربت الأجيال الأولى على نصوص تحرّض على قول الحق.
في أبحاث الإدارة الحديثة يوصون بعدم اختيار أسلوب المواجهة من خلال القنوات الرسمية، ولكن عبر إيصال الرسالة من خلال اللقاءات الودية أو السرية للشخص المعني بهده الحالات، وذلك من أجل الحد من تنامي مشاعر التحدي في المؤسسة. كذلك أوصى بعض الفقهاء بالنصيحة السرية للسلطان، وعدم الخروج عليه والتشهير به، وذلك درءاً للانفعالات غير المنضبطة.
الخلاصة أنه لا يوجد منهج متفق عليه في هذا الشأن، لكن على صاحب الشأن الأدنى أن يكون واعياً بما سيقدم عليه، وأن يختار الأساليب التي قد لا تكلفه حياته العملية أو مستقبله الوظيفي، كذلك في عوالم السياسة يجب عدم الانجراف خلف مشاعر التحدي السافر، فالأثار المترتبة على إظهار التحدي قد تكون كارثية للشخص، لكن المتفق عليه في التجارب الإنسانية أن مختلف الكيانات ستكون حتماً في أحسن حال، إذا تمكن أفرادها من التعبير عن أرائهم، ثم شعروا أنها مسموعة ومحترمة.