لبنى الخميس
منذ أن دخلت السوشل ميديا إلى حياتنا قبل ما يقارب العشرة أعوام.. بتطبيقاتها المختلفة.. ومنصاتها المتعددة.. اختلفت الكثير من العادات وأدرج خطاب جديد ومختلف في طبيعة التواصل البشري، ونوعية المعلومات والبيانات والمواعظ التي نتلقاها عن مختلف شؤون الحياة، بكثافتها، وسرعتها وتنوعها.
تحدثني والدتي عن شهر رمضان قبل ما يقارب الخمسة والعشرين عامًا.. عن تلك الاستعدادات التي ما زالت تسكن مخيلتها على الرغم من بساطتها وعفويتها، عن سجادات وأغطية الصلاة التي تبخر بالعود، وأواني الطعام التي تلمع استعدادًا لوضعها على سفرة رمضان الشريفة، عن والدتها -رحمها الله- وهي جالسة على سجادتها في ليلة رمضان تصلي وتشكر ربها أن بغلها الشهر الكريم.
رأيت الحنين يلمع في عينيها وهي تشتاق لرمضان جميل ببساطته وتوازن مستقبليه.. أما اليوم فنحن أمام رمضان جديد لم تشهد فئة واسعة من أجيال الماضي مثله من قبل، شهر مدجج بالوعظ ورسائل النصح والتذكير، مشبع بالقصص التي يشيب الرأس من جهلها وخرافتها، وممتلئ بمقاطع الفيديو والصوت والتي يعود بعضها لسنين بل وعقود سابقة، كل ذلك وأكثر برعاية حصرية من التطبيق الاجتماعي «واتس أب».
إن كل تلك الرسائل المشبعة بالوصاية والرغبة المبطنة في السيطرة والتحكم في عقول الناس وإن كان عن بعد، حولت رمضان إلى شهر (رقمي) تُحسب فيه الصلوات والركعات وعدد التسابيح والاستغفارات بناء على عدد ما تمليه عليك رسالة «واتس أبية» طويلة مزخرفة بحلو الكلام المنقول، ما جعلنا نفقد أحياناً الشعور الفطري الإنساني بالروحانية التي يمليها علينا شعورنا بالرغبة بالتقرب إلى الله بما يتناسب مع تقصيرنا وضعفنا وتخاذلنا طيلة العام، وليس ما يتم إقحامه علينا ليل نهار عبر نصائح ومواعظ تمتاز بالكمية وتفتقر للنوعية.
الواتس أب بشكل خاص وتطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل عام مع -للأسف- خطفت منا الروحانية الفطرية التي كبرنا عليها، وأصبحت الكثير من رسائلها تملي علينا حرفيًا ًعبر جنودها الأوفياء كيف نصلي، وكيف نصوم، وكيف نستغفر، وكيف نستقبل ليلة القدر، وكيف نودع رمضان، وما هو حلال وما هو حرام.. وكأننا أمام شهر جديد بل ودين جديد! ما زلنا نتهجى أبجديته ونتعرف على أسسه وتعاليمه، وهذه الظاهرة قد يكون مرادها ومقصدها طيبًا وهو إعادة الناس إلى جادة الطاعة وطريق العبادة، ولكن نتائجها أنتجت لنا فئة تتمتع بالكثير من السطحية، وفيه من السذاجة ما يجعله يصدق أي مقولة وإن كانت تخالف المنطق والعقل دون تبين وتحري صحتها، بدل أن يكون قريبًا إلى الله بالتأمل والتدبر في آياته وعظيم نعمه.
السؤال يا ترى: هل سنعرف كيف نعبد الله ونكسب حسناته ونتلذذ بقربه دون رسائل و»برودكاستات» ووعظ معلب؟ هل ستقودنا عفويتنا التي تأثرت سلبًا بسيل الرسائل الجارف إلى صلوات تعبق بالروحانية وتسابيح من نفس تواقة للقرب من الله؟ هل سنملأ أيامنا بالعطاء والطاعة والمحبة ليس لأننا مضطرون اجتماعيًا لذلك بل لأن ما زال في داخلنا خير؟ كيف سنستمتع بديننا إذا كانت علاقتنا بربنا قائمة على الإملاء والترهيب والفرض؟ أسئلة كثيرة يجب أن نتوقف عندها ونجيب عنها بصراحة حتى نعيش رمضان أجمل، دون أن تأتي التكنولوجيا ومنصاتها المختلفة ورسائلها وتنبيهاتها اللانهائية على علاقة روحانية سامية تكبر وتزهر بين العبد وربه في رمضان.