محمد بن عيسى الكنعان
خلال الحرب العالمية الثانية قامت بعض دول الحلفاء بعمل حظر إعلامي كامل على النازيين، فلا توزع لهم صحف أو منشورات ولا تستقبل لهم إذاعات مهما كان محتواها، حتى لو كانت مجرد أخبار عادية، وبهذا تم تحجيم الدعاية النازية داخل بريطانيا بشكل كبير ومحكم، ما عزّز من تماسك صفوف البريطانيين تجاه الألمان، وعزز حماية بلدهم من الداخل فلا يكون هناك مكان لعميل أو خائن أو طابور خامس.
فإذا كانت حالة الحرب بظروفها وموازين القوى فيها تفرض مثل هذه الإجراءات، التي قد يراها البعض حجراً على الإعلام، ومصادرة المعلومة، وتغييب الحقيقة، فإنها في واقع الأمر حماية للوطن بالدرجة الأولى؛ لأن الأمن مقدم على كل الحريات الأساسية. كذلك الموقف يكون في حال السلم لأي بلد، إذا كان يعيش داخل منطقة جغرافية متوترة، أو مضطربة. فهذه الحال لا تقل عن حالة الحرب إلا في سخونة الأحداث وتداعياتها.
واليوم المنطقة العربية بما فيها منطقة الخليج ليست مستقرة بشكل كامل منذ اندلاع ما تسمى (ثورات الربيع العربي)، التي كشفت عن مخطط تقسيمي يستهدف عالمنا العربي، فسوريا تمزقت بجرائم بشار ودعم الروس والإيرانيين، والعراق لازال يحاول استرداد عروبته من الفرس، وميليشيا الحوثي العميلة تعبث باليمن لصالح المشروع الفارسي حتى غدت منصة صواريخ عدوانية ضد بلادنا، وفي ليبيا السلاح هو عنوان الحوار. ولبنان لازال مختطفاً من حزب الشيطان الإيراني.
في ظل هذه الأجواء الملتهبة يأتي الأمن بالدرجة الأولى؛ فالوطن خط أحمر بكل ما فيه (قيادة، وحكومة، وشعب، وأرض)؛ وهو من الثلاثة التي لا تقبل المساومة: (الدين.. الوطن.. العرض)، ما يعني أن تتمسك بدينك، وتحمي بلدك، وتصون عرضك. وأن لا تقبل المساومة بها أو بأي أحد منها مهما كانت الظروف، أو المغريات أو الادعاءات تحت مزاعم حقوق الإنسان أو الحريات الخادعة. فإذا كانت المساومة غير مقبولة بأية حال فما بالك بالخيانة أو العمالة. وعندما نتحدث عن الوطن ونركز عليه فليس تجاوزاً للدين أو تقليلاً للعرض، إنما لأن الوطن هو الكيان الذي يضم الأرض والدولة والشعب، وهو الوعاء الذي يُقام فيه الدين وفق شرع الله، وتحفظ فيه الأعراض. فكيف تُقام شعائر الدين إلا بوطن آمن ومستقر، وكيف تُصان الأعراض إلا بكيان دولة تسهر أجهزتها الأمنية على حمايتها وحماية الممتلكات والمقومات والمكتسبات الوطنية. فما بالك إذا كان هذا البلد هو المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الشقيقة الكبرى لدول الخليج، وقلب الوطن العربي، ومركز العالم الإسلامي بحكم مكانتها الدينية العظيمة، فضلاً عن ريادتها الإقليمية ومكانتها الدولية على المستويين السياسي والاقتصادي. ما يعني أن أمنها واستقرارها لا يهم السعودي فحسب؛ بل يهم كل عربي، ومسلم، ورجل شريف في أنحاء المعمورة، فدولة بهذه المكانة السامية والقيمة الرفيعة هي قبلة العالم، ومملكة الإنسانية، وشامة الدنيا. حفظ الله بلادنا وكل بلاد المسلمين من كيد الحاقدين وعيون الخائنين.