د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تبدو المدارس المستقلة من العناوين الفخمة لمستقبل التعليم في بلادنا إذا ما أُحسِنَ إليها؛ ولقد توشحتها أردية الثقة حين حظيت المبادرة بموافقة مجلس الوزراء الموقر.
ودائمًا ما ينضح الحديث في شؤون التعليم بكثير من الجدل خاصة أن تصريحات الوزارة بعد الموافقة السامية على المدارس المستقلة فيها عُجمة! والجميع كانوا يبحثون عن خبر ملجم تجاه العائل الجديد لتلك المدارس! ويُحمدُ لمجلس الوزراء الموقر محدودية العدد الذي تم إقراره للتطبيق لكون إستراتيجيات التشغيل التعليمي من أجل المعرفة ما زالت في منظورها العام دون فلسفة عميقة توجه الخطط وتؤطر للتنفيذ الصحيح، فربما تكون عينة المدارس المستقلة المنتقاة غير مجزية للخروج بنموذج تشغيلي مثالي؛ وربما أيضًا تكون النتائج من الخدع البصرية التي لا يُعوّلُ عليها، والأهم من ذلك أننا أصبحنا نسمع بالمصطلحات المحفزة «الاستقلالية، مؤشرات الأداء، ومفهوم الدولية التي صاحبتْ كثيراً من حراك الوزارة أخيراً، والنقش فوق الفكر المستوي؛ والعزف على سيمفونيات الجوائز العالمية؛ والتعاضدات بين وزارة التعليم وسواها من القطاعات، إلا أن المدارس بعيدة عن ذلك كله؛ فما زالت المدارس لا تستطيع الحراك ولا حل أبسط مشكلاتها دون مشوار مضن إلى أبيها مكتب التعليم وأمها إدارة التعليم!! وهما يستغيثان الله!
فالحراك التطويري مشهود معلوم ولكن الهوة بينه وواقع الطلاب داخل الفصول كبيرة جدًا! ولما أن الصورة عن المدارس المستقلة لم تنجل أمامي ولم يرسب كدرها إلا من قراءات متناثرة لما تحدثتْ عنه وزارة التعليم من أهداف المدارس المستقلة وأنها «من مبادرات الخصخصة، ومجانيتها بالنسبة للطلاب، وأن تشغيل تلك المدارس وفق نموذج لم يُعلن عن تفاصيله»! فقد استشرفتُ أنها من مؤطرات تحقيق الأمن التعليمي الذي يولد الثقة في المستقبل التعليمي أيضًا؛ وأنها منتج سوف يطرح للمناقصة، وتخيلتُه مسابقة يشترط فيها أن لا يكون المتسابق من منسوبي المؤسسة التعليمية إلا أن يكون تربويًا بالتواتر، وأن المقصود بالاستقلال إدارة وتشغيل المدارس وليس إدارة المعرفة وقيادة العقول إليها، فهذا شأن وزارة التعليم!!! وتخيلتُ أيضًا أن تلك المدارس سوف تشرعُ أبوابها لتجريب برامج الوزارة الأم، وأنها سوف تنضوي تحت مظلة المانحين أيضًا لفعاليات الوزارة الأخرى! وأظن أن حصيلة المدارس المستقلة ستكون جزلة من الدروع وبطاقات الشكر وباقاته، وتخيلتها أيضًا مدارس عندما يخيم على التعليم السكون من سوانح الطقس المعتادة سوف تسكن أيضًا، وتخيلتُ مساحات الإبداع في المناهج الإثرائية مختومة وممهورة بوسم الوزارة الأم، وتخيلتُها بمدونة قانونية تكفل حراكها وحقوق منسوبيها!!
ومفهوم المدارس المستقلة جديد في النسق والتنظيم، ولذلك فالتطبيق لن يتبلور عن نتائج واضحة يُقاس عليها تأسيسًا على حداثة النموذج، ونمط البيئات التي سوف يطبق فيها التي قامت على تشريع تنظيمي هو ذاته منذ الأزل وإن تبدل الصانعون، ولذلك ومن الأهمية أن تؤطر المبادرة بأهداف تعقد آصرة مع فكر تربوي مرن بأن يكون المرتكز الأول في منح تلك المدارس الاستقلال التشغيلي هو قيادة المعرفة من خلال بناء مناهج قائمة على الأهداف والمهارات تنفذ في بيئات تعليمية خصبة ونظيفة ومستقلة بالمفهوم اللغوي للاستقلال، وتحتاج تلك المدارس لتنظيم مؤطر لتجاوز حصار المدارس الحالي، وأن تكون نموذجًا تربويًا مؤازرًا للتوجهات من خلال تحقيق الاندماج والمثاقفة العليا، وبناء القيم والتشاركية المجتمعية، والأهم أن ينطلق ذلك كله من المصالح العليا لبلادنا وسياستها حيث دارتْ واتجهتْ، وبما أن المدارس هي مصانع المبدعين لا سواها «فنأمل أن تكون المدارس المستقلة من حوافزنا وهي فرصة تاريخية لتأسيس نموذج تعليمي مختلف ذي نواتج متميزة، ولابد أن تتاح لها في تنظيماتها المرتقبة منهجية تنفيذية دقيقة جدًا تتناسب مع أهداف المبادرة..