د. حمزة السالم
- يصعب الحكم بإيجاب عروض التجارة، شرعاً بمستند ما استشهد به من عموميات في الأدلة الثابتة أو من ضعف ثبوت الأدلة وظنية دلالتها. فمثلاً، عمادها حديث سمرة وقال عنه ابن حزم «أما حديث سمرة فساقط، لأن جميع رواته ما بين سليمان بن موسى، وسمرة رضي الله عنه - مجهولون لا يعرف من هم».
وثم لو أنه صح فيصرف على مفهوم الصدقة بشاهد كونه لم يذكر فيه نصاباً. فوجوب الزكاة بتحقق سببها وهو نصابها.
ومن شواهد عدم صحة اتخاذ عروض التجارة كأصل في الأموال الزكوية ما نراه من عجائب التناقضات الموجودة في فتاوى الزكاة، اليوم خاصة. كالقول بزكاة القرض وإعفاء المحتكر.
والإبقاء على عروض التجارة كأصل للأموال الزكوية أمر لا بد منه، لتعارف الأمة عليه، ولكن يمكن سد ثغراته وإكمال نقصه وجمع متناقضه بتقسيم عروض التجارة تبعاً لأشكال النمو الحقيقي، ومن ثم تقسيم الزكاة في كونها تكون في أصل المال أو في نتاجه تبعاً لذلك.
ففهم أشكال النمو مهم في التأصيل الصحيح لاستنباط أحكام الزكاة في الأمور المحدثة.
والنمو الإنتاجي المقصود في الزكاة يكون في الأموال دون الإنسان. فالإنسان هو الذي يُنمي لا المُنمى، كما هو مقتضى مفهوم فتاوى بعض الفقهاء في قولهم بزكاة الراتب حين استلامه.
وتُقسم هذه الإنتاجية التنموية لأربعة أشكال:
الشكل الأول: أن تكون إنتاجية المال مما ينمو بزيادة المال نفسه بنفسه حجماً أو عدداً، فينمو المال دون تدخل الإنسان كالأنعام والرقيق والخيل والحمير والفيلة والنعام ونحوها.
وحكم الزكاة في هذا الشكل الإنتاجي للمال النامي لوحده هو الوقوف على النص فلا يقاس عليه مال آخر لأن علة المنصوص عليه قاصرة، كزكاة الأنعام إلا أن تتضح علته فيما بعد. والثمار والركاز والعسل من هذا الشكل الأول ابتداء، فزكاتها بالنص حين حصاد الزرع أو تملك الركاز. وثم بعد زكاة حصادها أو العثور عليها، تصبح من عموم الأموال الداخلة تحت علة قابلية النماء فتجب فيها الزكاة بواجب موسع إلى حول كامل، وتعاد عليها الزكاة كلما عاد عليها الحول، وهي لم تُنم.
الشكل الثاني: نمو بتنمية الإنسان وتكون بزيادة مال مُختلف في شكله عن المال المُنمى، إما نوعاًَ أو جودةً أو خدمة أو كمًا. كالمُستغلات عموماً كالمصانع وشركات الخدمات من صيانة واستشارات ومزارع الأسماك واللؤلؤ والدجاج والألبان والمزارع بأنواعها والسندات والودائع الادخارية. فأصل المال هنا هو المُنمى بالصناعة الإنتاجية أو الخدمية أو المالية. والدجاج والأسماك من الشكل الأول، التي لا زكاة فيها لأنها تنمو بوحدها، إلا أنها في هذه المزارع الصناعية لا تنمو بدون تنمي الإنسان فخرجت بذلك عن الشكل الأول. وحكم الزكاة في هذا الشكل من الأموال هو أنه لا زكاة في أصله، وأما نتاجها، فتقاس على الذهب والفضة بعلة قابلية الإنماء، في نصابهما ومقدارهما، فتجب الزكاة بمجرد تحقق سببها وهو النصاب، بواجب موسع إلى عام.
الشكل الثالث: نمو حقيقي بإضافة قيمة لكن دون أي زيادة لكمية أو لنوعية.
وهذا خاص بالتجارة الإيجابية كالاستيراد والوكلاء وتجار الجملة والتجزئة. فتوصيل البضائع والخدمات من مصادرها وتوزيعها هو إضافة قيمة حقيقية للسلع والخدمات. فحكم زكاتها كالشكل الثاني، لا زكاة في أصل هذه الأموال إنما في نتاجها. فتطوير الأراضي مثلاً هو من التجارة الإيجابية لأن فيها إضافة قيمة. وهذا بخلاف المضاربة فيها أو تجميدها ومنعها من الناس، فهو من التجارة السلبية وهي الشكل الرابع.
الشكل الرابع: هو كل ما تشمله التجارة السلبية من المضاربات بالسلع وتدويرها، دون إضافة أي قيمة حقيقية للسوق. فالتجارة السلبية، تدخل تحت حكم الذهب والفضة والأموال القابلة للنماء.
وأهمية هذا الموضوع هو استدراك الزكاة. فالأموال المنصوص عليها في الزكاة لا تشكل شيئاً من أموال الناس اليوم، فعدم القياس المنضبط بالشرع المتوافق مع العقل والواقع، والإصرار على تقليد آراء رجال في قرون خلت، سينتهي بنا لتعطيل ركن الإسلام الثالث اليوم.