الجزيرة - ماجد البريكان:
أوضح مختصون، أن الاقتصاد الإيراني يعيش في عزلة، ويعاني من تحديات كثيرة ومتنوعة محلية ودولية تهدد بانهياره في أي لحظة. وأكد المختصون أن الإيديولوجية الإيرانية والأجندة السياسية القائمة عليها، والتي تعتمد على استعداء الآخرين، والتوسع على الأرض، واحتضان الإرهاب وعدم احترام المواثيق والتعهدات، وإثارة الفتن الطائفية والاضطرابات السياسية، تجعل من البيئة الإيرانية غير جاذبة للاستثمارات الآمنة، وطاردة لأي رؤوس أموال جديدة، فضلا عن عدم قدرة الشركات الإيرانية على الصمود طويلا أمام المصاعب.
وقال رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية الدكتور محمد السلمي لـ «الجزيرة»، إن الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية التي ترغب في الدخول إلى دولة ما تركز على أمرين رئيسيين هما : الاستقرار السياسي والبيئة الاستثمارية الجاذبة والسلسة»، وبالحديث عن السوق الإيرانية فهي كبيرة وضخمة بسبب عدد السكان، ولكن القدرة الشرائية للمواطن الإيراني ضعيفة جدا بسبب ضعف الدخل وانتشار الفقر، ولذلك يركز التاجر الإيراني على إنتاج بضاعة رديئة الجودة لخفض التكلفة النهائية».
وعلى الجانب السياسي، تعيش إيران حالة من التأرجح على المستويين الداخلي والخارجي، فداخليا يواجه النظام احتجاجات واسعة من معظم شرائح المجتمع الإيراني وانتماءاته العرقية والدينية والمناطقية، فالمظاهرات مستمرة بمعدل 15 مظاهرة يومياً، وحالات البطش الأمني منتشرة ولعل آخرها ما يحدث حالياً في مناطق وسط وجنوب إيران حيث استمرار المظاهرات والاشتباكات مما أدى ـ ولا يزال ـ إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى فضلا عن الاعتقالات».
صراعات داخلية واستقرار هش
وتابع السلمي: «نشهد حالياً حالة من الصراعات الواضحة بين أجنحة النظام الحاكم في طهران مما ينعكس سلبا على أمن واستقرار البلاد على المديين المتوسط والبعيد. أما خارجيا، فالتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، جعلت الصورة النمطية للنظام الإيراني في أسوأ حالاتها، وهناك عقوبات دولية وأحادية، تستهدف طهران بسبب ذلك إلى جانب سعيها إلى إنتاج السلاح النووي وتطوير الصواريخ الباليستية وارتباطها بالميليشيات والجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، وهي بذلك مقبلة على مزيد من العزلة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية».
وأضاف: «النظام الإيراني يدرك كل هذه الإشكاليات جيدا وبدأ بالفعل الاستعداد لهذه المرحلة من خلال إطلاق شعار « دعم المنتج المحلي» كشعار للعام الاقتصادي الجاري، وهو بذلك استقرأ من رأس الهرم المرشد الأعلى علي خامنئي للمرحلة القادمة وطبيعة علاقات إيران مع العالم والوضع الاقتصادي والاستثماري في البلاد».
وأردف السلمي قائلا: «أما عن البيئة الاستثمارية الجاذبة، فمن المعلوم أن الحرس الثوري الإيراني يعد القوة الاقتصادية الضاربة في البلاد بل أنه يسيطر على أكثر من 40 في المئة من الاقتصاد الإيراني، ويدير أكبر الشركات المعروفة في إيران، كما أن كثيرا من عناصر الحرس الثوري قد خلعوا الزي العسكري وارتدوا الزي المدني للظهور بمظهر رجال أعمال طبيعيين، وبالتالي فهناك مخاطر كبيرة وعالية للدخول مع شراكات أو مشاريع استثمارية مشتركة في الداخل الإيراني بسبب احتمالية تعرض ذلك الشريك المحلي لعقوبات دولية أو أمريكية لكشف ارتباطه بالحرس الثوري.
إلى جانب ذلك، فهناك إشكالية البيروقراطية الإدارية القاتلة في أروقة الجهات الحكومية الإيرانية، وقد تحدث عن ذلك كثير من رجال الأعمال الغربيين بسبب طول الإجراءات وضرورة تقديم الرشاوي لإنهائها».
وأوضح أن «حالة الغضب المتصاعدة في الداخل الإيراني قد ترى من دخول بعض الشركات الأجنبية للسوق الإيرانية دعما للنظام الإيراني ضد الشعب، وبالتالي تتعرض كثير من الاستثمارات الأجنبية لخطر الاستهداف في المقابل، لدى الشر كات الأوروبية بدائل كبيرة في المنطقة، مثل الأسواق الخليجية والسوق المصري، وهذه الدول تنعم بالاستقرار السياسي والبيئة الاستثمارية الجاذبة وتطرح الكثير من المشاريع الطموحة والعملاقة وهي بذلك بديل آمن على المستويات القريبة والمتوسطة والبعيدة علاوة على القدرة الشرائية العالية لدى معظم شعوب تلك الدول.
مقومات البيئة الاستثمارية في إيران
من جانبه، يرى الدكتور باسم حشاد الخبير الاقتصادي والاستشاري الدولي بالأمم المتحدة (برنامج التجارة والتنمية UNDP)، أن البيئة الاقتصادية لكي تكون جاذبة للاستثمار، لا بد لها من توافر العديد من المقومات التي بدونها تصبح طاردة للمستثمرين، وغير مشجعة على ضخ رؤوس أموال تبحث دوما عن الأرباح بعيدا عن المخاطر غير المحسوبة».
وقال: «عند الحديث عن الاقتصاد الإيراني وقبل الحكم على مدى تنافسيته وجاذبيته للاستثمار، لابد ولأغراض الموضوعية العلمية والبحث الاقتصادي الموضوعي أن نستعرض أهم مقومات جذب الاستثمار وفقا للمؤشرات العالمية لأعرق المؤسسات الاقتصادية بالعالم كالبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة «البرنامج الإنمائي للتجارة والتنمية»، ومنهما يمكن الإشارة إلى عدة مقومات يأتي على رأسها المقومات الاقتصادية والتي تشمل ضمن ما تشمل حجم السوق المحلية ونموها، ومدى استقرار ووضوح السياسات الاقتصادية والتي تتمثل في كل من السياسة النقدية، والمالية، والضرائب، والتشريع الاجتماعي الخاص بشروط العمل والتأمين، والشفافية في المعاملات المالية، فضلا عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ومدى تطوره، ومقدار معدل التضخم ومدى استقرار الأسعار، ومدى استقرار سعر الصرف، إضافة إلى حجم اليد العاملة وقواها المتوافرة بشقيها الماهر وغير الماهر، ومدى توفر البنية التحتية الملائمة والتي تتمثل في شبكات النقل (البري، البحري والجوي)، شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية وإمدادات الطاقة (نفط، كهرباء وغاز) ومدى استقرارها كما وكيفا وعلى المستوى اللوجيستي.
وتطرق حشاد إلى العامل الثاني، وهو المقومات والعوامل المحفزة سياسيا، وقال: «يتأرجح الاستقرار السياسي بين ترتيبه في المقام الأول أو الثاني كعامل جذب للاستثمارات، حيث ترتبط العوامل السياسية بالمخاطر السياسية التي يمكن أن يواجهها المستثمر الأجنبي وتأخذ عدة أشكال، ومنها التصفية أو مصادرة الحكومات المضيفة لمشروعات الأجانب كليا أو جزئيا لأغراض المنافع العامة بدون تعويض، ومخاطر التأميم، وتحويل المشروعات الأجنبية إلى ملكية عامة للدولة، ومخاطر فرض قيود على تحويل العملات الأجنبية إلى الخارج، ومخاطر الإلغاء أو عدم الوفاء بالعقود والاتفاقيات المبرمة بين المستثمرين الأجانب والدولة لأسباب سياسية».
غياب الأطر التشريعية الحاكمة
وأفاد حشاد بقوله: «لا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلى أهم مصدر من مصادر الخطر السياسي وهي: الإيديولوجيات السياسية، الصراع الديني، عدم الاستقرار الاجتماعي، التأميم، الصراعات المسلحة، الانقلابات العسكرية، والحقد والعداء للأجانب.
وتطرق إلى مقومات العوامل القانونية والتنظيمية، وقال: «تعد قدرة الدولة على بناء قاعدة قانونية مسايرة للتشريعات الدولية محفزا للاستثمارات الأجنبية، وتكون هذه القاعدة في شكل توفير إطار تشريعي وتنظيمي للاستثمار الأجنبي المباشر. يمثل الإطار التشريعي والتنظيمي الكيان الحاكم لكافة أوجه النشاط الاقتصادي الذي يعمل فيه الاستثمار الأجنبي المباشر، فبقدر ما يكون محكما ومنظما وغير معقد يكون محفزا للمستثمر الأجنبي».
أما عن المقومات والحوافز الضريبية والمالية «فرغم محدودية هذه الحوافز في جذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أنها في حالة وجود العوامل المحفزة السابقة يكون لها تأثير في جذب الاستثمارات. هذا ويمكن رصد العديد والعديد من المقومات الأخرى والمعايير التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الـ UNCTAD، للوقوف على مزيد من المقومات إلا أننا نكتفي بذلك، ونأتي للسؤال الأهم، هل تنطبق على البيئة الاقتصادية الإيرانية هذه المعايير وتتوافر لدى الاقتصاد الإيراني هذه المقومات؟ الإجابة في تقديري: لا ! فالاقتصاد الإيراني يعاني من عزلة حقيقية ينتج عنها بالقطع الافتقار لأهم المقومات الجاذبة للاستثمار من بيئة سياسية غير مستقرة واتفاقات دولية لا تحترم وانهيار متتالٍ ومستمر في سعر صرف الريال، وعدم استقرار السياسات الاقتصادية ماليا ونقديا نتيجة للعقوبات المتتالية وعدم وجود مناخ ضريبي واضح المعالم مع غياب الإطار التشريعي الحاكم المنظم للاستثمار الأجنبي الأمر الذي يدفع المستثمرين دوما لتجنب الاستثمار في الاقتصادات المماثلة.
وقال: «لعل الحرب السياسية المشتعلة الآن بين أمريكا الحليف الخليجي الأقوى وبين إيران منبعها في الأساس الأيديولوجية والعقيدة السياسية لنظام الحكم الإيراني القائمة على التوسع سياسيا وجغرافيا وخلق عداءات متواصلة ومستمرة مع دول الجوار، الأمر الذي ينذر باستمرار هذا الفكر وهذه الأيديولوجية بما يؤثر سلبا على الاستقرار السياسي والاقتصادي ويشكل مزيدا من تكتل العوامل الطاردة للاستثمار وفقا لما ذكرناه أعلاه، ناهيكم عن التقييم بالغ السوء للملف الإيراني في مجال الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية واحترام الأقليات وكلها أمور تزيد الاقتصاد سوءا وتدفعه بالسليقة إلى مزيد من طرد الاستثمارات الأجنبية، وهو الأمر الذي تجمع عليه العديد من الدوائر الاقتصادية والسياسية الغربية من مؤسسات اقتصادية وبرلمانات وجمعيات حقوقية وغيرها الكثير».
يذكر أنه خلال الأسابيع الأخيرة هوى الريال الإيراني إلى مستوى قياسي منخفض جديد مقابل الدولار في السوق الحرة بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق المتعلق بالبرنامج النووي لطهران مما يغذي المخاوف من أزمة اقتصادية في إيران.
وبحسب»رويترز» حينئذ عُرض الدولار بسعر وصل إلى 75 ألف ريال مقارنة مع حوالي 65 ألفا قبيل إعلان ترمب قراره وفقا لموقف «بونباست.كوم» الذي يرصد أسعار السوق الحرة.
وعرض المتعاملون في طهران مستويات مماثلة وفقا لاقتصادي إيراني مقيم خارج البلاد لكنه على اتصال بهم، وقال متعامل إن الريال سجل 78 ألفا للدولار في حين ذكر آخر أنه أبرم عمليتي بيع للدولار بسعر 80 ألف ريال.
وقبل أيام، خفضت إيران رسميا قيمة عملتها المحلية الريال مقابل الدولار للمرة الأولى منذ أن بدأت مساعي للقضاء على السوق الحرة للعملة الشهر الماضي. وذكرت صحيفة فايناننشيال تريبيون، أن البنك المركزي حدد سعر الصرف عند 42 ألفا و50 ريالا للدولار، وعند 42 ألفا و60 ريالا.
وتواجه الشركات الأوروبية التي لها أعمال في إيران شبح العقوبات الأمريكية بعدما انسحب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين ست قوى كبرى وإيران. ويقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي «إنه ليس من السهل حماية شركات الاتحاد الأوروبي ومصارفه من العقوبات الأمريكية التي تتعدى في طبيعتها نطاق إيران لتمس أطرافا ثالثة».