نقل الأديب الجاحظ (ت 255 هـ) في كتابه الموسوعي «الحيوان» وصفاً ينطبق على حيوان (الكنغر) دون أن يسميه وذلك من خلال صفة بارزة في هذا الحيوان ينفرد بها عن غيره، وهي وجود الجراب في أنثاه الحاضن لولدها .. ولكن الوصف الذي استوحاه الجاحظ من المصادر يؤكد أن الجاحظ لم ير هذا الحيوان
ولذا جاء وصفه غير منطقي بسبب الخلط الحاصل في تلك المصادرة بين عدة حيوانات منها الكركدن (وحيد القرن) وبين ما سماه (الحمار الهندي)، وبينما وحيد القرن معروف وهو لا يمت بصلة للكنغر من أي وجه، إلا أن ما سماه الجاحظ (الحمار الهندي) ربما يكون هو المقصود بالكنغر، حيث بالتأمل نلاحظ أن رأس الكنغر يشبه رأس الحمار، ويلاحظ أن الجاحظ أدرج هذا الحيوان ضمن (الحيوانات العجيبة) لغرابة طريقته في الولادة، ونلخص ما كتبه الجاحظ عن ولادة (الكنغر) بالآتي : (إذا جاء وقت الولادة خرج ابنها منها وأكل من النباتات القريبة ثم يعود إلى رحم أمه يفعل ذلك مراراً حتى يكتمل نموه ثم يستقل عن أمه)* ومن خلال هذا الوصف المشوش الذي يوهم السامع أن مولود الكنغر يعود لبطن أمه حقيقة (أي يدخل ويخرج من الرحم)، حيث لم يفطن الواصف إلى أن صغير الكنغر يعود في كيس خارجي حتى يكتمل نموه كما نعلم من المشاهدة، وهذا الوصف المباعد دفع الجاحظ للاستغراب والتوقف في قبول المعلومة بل جعلها في (باب الخرافة) ويقول (ولستُ أراه مُحالاً ولا ممتنعاً في القُدرة ولا ممتنعاً في الطبيعة، وأرى جَوازَه مَوْهُوماً غيرَ مستحيل إلاّ أنَّ قلبي ليس يقبلُه)، ويقول (ولست أبتُّ بإنكاره وإن كان قلبي شديدَ الميل إلى ردِّه وهذا ممّا لا يعلمه النَّاسُ بالقياس ولا يعرفونه إلاّ بالعيان الظاهر والخبر المتظاهر)، وسبب شك الجاحظ أنه يصف حيواناً لم يعاينه كما أن الوصف جاء غريباً وغير مفهوم ولا مقبول . والمعروف أن ولادة أنثى الكنغر تحدث بخروج الجنين وهو في منتهى الصغر ثم يتجه لجراب أمه ليكمن فيه أكثر من ستة أشهر كفترة حضانة لا يغادر الجراب، ثم يمضي فترة أخرى يدخل فيها ويخرج من ذلك الجراب حتى يكبر ثم يستقل عن أمه تماماً، وعلى كل حال فإن الوصف الذي نقله لنا الجاحظ (للحمار الهندي = الكنغر) يدل على معرفة العرب (للكنغر) في وقت مبكر جداً من جراء احتكاكهم بالأمم الأخرى عن طريق المشافهة أو ترجمة المصادر، وهو الأمر الذي يفتح سؤالاً أعمق وهو : هل عرف العرب استراليا؟ وهل وصلها تجارهم؟ وهل استوطنوها؟ ... باعتبار أن الموطن الأصلي للكنغر هو قارة استراليا، مع ملاحظة أن الجاحظ نسب الكنغر للهند عندما سماه (الحمار الهندي) ، وهنا أتساءل هل اقتصر مفهوم الهند عند الجاحظ على الهند التي نعرفها اليوم فقط أم أن العرب آنذاك عمموا المفهوم الجغرافي للهند على كل ما يقع جنوب شرقها من المعورة وبذلك تدخل إندونيسيا التي كان العرب يسمونها (جزائر الهند الشرقية) وجارتها الجنوبية (قارة استراليا) الموطن الأصلي للكنغر.
... ... ...
* الجاحظ، كتاب الحيوان ، ج 7 ص 124 ، تحقيق عبد السلام هارون
** **
- خالد بن سليمان الخويطر