صدرت الرواية في عام 1959 وتصنف على أنها رواية هول قوطي، اعتمدت فيها الكاتبة على وقائع تخلط بين الواقعية والخيال، ليست عنفاً بالمعنى الصريح، فشيرلي هنا لم تعتمد على الوقائع الخارجية وإنما على الأبعاد النفسية للأبطال الذي تتضمنهم القصة، هو الخوف من المجهول كعادة البشر، حاجتهم إلى وضع إطار علمي لأي ظاهرة قد لا يمكن تفسيرها، وربما قد تشبه المنازل في عالم شيرلي رحلة إلى الذات أكثر من كونها اكتشافاً للظواهر الماورائية في سبيل تفسيرها بشكل علمي أوحتى عن طريق الملاحظات البسيطة.
أقتبس من الرواية معنى الخوف على لسان أحد الأبطال:الخوف.. إنه إحجام المنطق، التخلي الطوعي عن الملسمات العقلانية، إما أن تصرخ منه أو تحاربه، لكن لا يمكن أن تلتقيه في المنتصف.
وأما الدكتور مونتاغيو، العالم الذي قاد حملة اكتشاف السر وراء منزل التل، يعرّف شغفه تجاه اكتشاف الماورائيات حيث يقول:
تتذكرون المنازل التي وصفت في سفر اللاويين بصفتها « مجذومة» التي ضربها البرص، أو وصف هومر للعالم السفلي: منزل هاديس، أظن أنني لا أحتاج إلى أن أذكركم ، بأن فكرة كون منازل معينة نجسة أو محرمة- ربما مرعبة- فكرة قديمة بقدم عقل الإنسان. بالطبع هنالك بقع لا مفر من أن تلصق بنفسها هالة من العظمة والطيبة؛ ربما لا يكون حينها من الخيالي قول إن بعض المنازل ولدت سيئة. منزل التل لم يكن ملائماً للاستيطان البشري لما يزيد على عشرين سنة. كيف كان يبدو، وهل تشكلت شخصيته وفقاً لمن عاشوا فيه، أووفقاً للأشياء التي فعلوها، أوأنه كان مشؤوماً منذ بدايته.
وحين يرد « لوك سندرسن» بماذا أيضاً قد يسمى منزل التل؟
يجيب الدكتور:
حسناً ربما يكون مضطرباً، مجذوماً، مريضاً، أي كناية شائعة عن الجنون. ثمة أشخاص قد يخبرونكم بأن الاضطراب الذي أسميه «ماورائي» هو في الواقع نتيجة للمياه الجوفية، أو تيارات كهربائية، أو هلوسات بسبب الهواء الملوث، الضغط الجوي، الكلف الشمسية، حركة الأرض، لدى كل هذه الفرضيات مؤيدوها من المتشككين. فالناس متلهفون دائماً من أجل نقل الأمور إلى مساحة مفتوحة حيث يمكنهم تسميتها، حتى لو كانت أسماء بلا معنى، مادام لها ختم علمي.
سكنى منزل التل، عمل خلاق، لا يعتمد بالضرورة على خلق عالم مملوء بالرعب، لا يعتمد على العنف كذلك، إنما يعتمد على كشف المجهول وإزاحة الستار عن الغموض الذي يغلف الأحداث غير الطبيعية التي شاعت عن المنزل، إنه منزل غريب، لم يكمل فيه أحد مدة الايجار، ودائماً ما كانت الأسباب واهية وغير منطقية، أحدهم أشار بضرورة حرقه ورش مكانه بالملح، والآخر أشار أن المنزل رطب جداً ولا يمكن الحياة فيه، رغم أنه جاف تماماً وهذا ما يؤكده القاطنون الآن. الدكتور مونتاغيو، الينور، ثيودورا، ولوك، اجتمعوا دون أن يعرف أحدٌ منهم الآخر، لكنهم ينتظرون تلك الفرصة من أجل أن يحكي كل منهم قصته، أن يتحرروا من الدفن تحت البؤس، هي أخيراً وليس آخراً، قصة أربعة أشخاص في مواجهة الظلام، في مواجهة دواخلهم قبل كل شيء، فهل يكشفون عن أنفسهم قبل أن يكشف المنزل عن نفسه؟ هل يبقى المنزل محتفظاً بوحدته، أم أنه يمتزج بشخوص سكانه الحاليين؟ هل فعلاً نحن الذين نسكن البيوت أم أنها هي التي تسكن فينا دون أن نعلم؟
** **
- أحمد صالح