الديوان الذي بين أيدينا صادر عن مؤسسة الانتشار العربي سنة 2017 ويقع في ثماني صفحات ومائة صفحة من القطع المتوسط، يضم اثنتين وأربعين قصيدة ومقطوعة من الشعر التناظري وشعر التفعيلة.
الصهيب العاصمي فنان تشكيلي أيضا، وما غلاف ديوانه إلا لوحة رسمها الفنان التشكيلي محمد عسيري، وهل محمد هذا إلا الصهيب نفسه؟ّ! لكنه اختار للشعر اسم الشهرة واختار لميدان التشكيل اسمه الحقيقي.
ليس من الصعب على من يتصفح ديوان الصهيب العاصمي أن يدرك مدى اعتداده بنفسه واعتزازه بشعره. يتضح ذلك من عنوان الديوان (إلا أنا) ومقطوعة (إلا أنا) التي احتلت الغلاف الخلفي للديوان.
وهو أيضا معتد بمسقط رأسه (مكة المكرمة) بدليل أنها المعلومة الوحيدة التي حوتها سيرته الذاتية في نهاية الديوان!
ومن شواهد اعتداد شاعرنا بنفسه قصيدته المعنونة بـ(الإثارة) التي يتحدى فيها الصعاب والحظ العنيد والعواذل معا. إنه يعشق المعالي ولأنه يعرف أن طريق المعالي صعب فهو لا يريدها دون عناء. يقول:
إن التَّحدي ما أقـولُ وأدّعي
وأنا الإثارة ليت شعري من يعي
درب المعالي دون عسر مبغض
إن المصـاعب لهفتـي وتطلعي
ولعل بيت الشعر في القصيدة قوله يصف عشقه للصعاب:
شـبهت هام الصعب دقة غـادةٍ
ومن العجيب شديدها وتولعـي
ثم انتقل للتعريض بالعواذل، وأنهن لا يؤثرن فيه إلا كما يؤثر الدهن في حد السيف:
أثـر العـواذل في فؤادي مثله
أثر الدهـانة في السيوف اللُّمع
ومن اعتداده بشعره نتفة بعنوان (موال) كتبها على لسان معجبة. يقول فيها:
قالت كفاني الحرف أنك شاعري
فبأي عرف لا أهيم وأعجبُ
وكذا افتتاحه ديوانه بمقطوعة بعنوان (التميز) يفوح منها رائحة اعتزاز المتنبي بنفسه وشعره. يقول العاصمي:
واسـمع لقافيتـي وانظر لمفردتي
أني الفصيح وذا شعري فقل لهمُ
إنـي الذي طـربتْ من ضاده الأذنُ
واستعملت أدبي كحـلا لحاظهمُ
والبحر من كلمي والأرض من نقطي
والكائنـات على التشكيل تعتزم
وكثيرا ما تأثر شاعرنا بقراءاته في دواوين العرب قديمها وحديثها، فهو يفتتح إحدى قصائده مستفيدا من مطلع قصيدة المتنبي المعروفة (أرق على أرق). يقول العاصمي:
أسف على أسف ومثلي يأسفُ
والدمع جارٍ والمنية ألطفُ
أما قصيدة (الضاد) فقد جاءت على وزن بائية أبي تمام ورويها:
مجدٌ على العرش في الأعلى من الرتبِ
درٌّ من العلم في بحر من الأدبِ
وفي قصيدة بعنوان (أغنية) صاغها في قالب قصيدة نزار قباني المغناة (رسالة من تحت الماء) يقول شاعرنا:
إن كنت حبيبي.. صدقني من قبلك ما كنتْ..
أو دمت حبيبي.. صدقني ما غيرك أدمنتْ..
كل الأزهار بعالمنا.. ذبلت.. إلا أزهارك أنتْ..
ولشاعرنا نظرة فلسفية حين ينظر للوردة وقد أزهق روحَها معجبٌ بها لما رآها يانعة تغري بالقطاف:
يا من قطفت الورد باسم الحب هل
راعيت روح الورد حين الغرغرة؟
قد يكون الصهيب يقصد شبيهة الوردة لا الوردة، لكنه في مقطوعة (المستثير) تحدث عن الحبيب دون مواراة. يقول:
جمــع المحاسنَ وحــدهُ
وتجــردتْ عنه العيــوبْ
فإذا بدا ضحك الضحى
ومتى سرا غنَّى الغروب
وفي الديوان نفحات إيمانية فهو مرة يناجي المولى - عز وجل - كما في مقطوعة بعنوان (الله) ومرة ينشد في النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- موظفا قول عائشة رضي الله عنها «كان خلقه القرآن» فيقول في نتفة بعنوان (النبي):
إن كنت تشتاق النبيَّ محمدا
هذا هو القرآن أقرب مشهدا
قد خصه الله الكريم بأنه
أخلاقه القرآن فاحجز موعدا
ولشاعرنا العديد من القصائد الوطنية منها قصيدة بعنوان (وطني) مطلعها:
حب الأوطان متى ذكروا
وطني في أول ما سطروا
والويل الويل الويل لمــن
في غيٍّ كذَّبَ ما نشــروا
ثم يمضي معددا مكونات الوطن من الحرمين، ونجد معقل الحكم، ثم يمر على رجاله من طبيب ومعلم ورجل أمن وفنان، ثم صعودا إلى الوزير والأمير، ويتوج القائمة بالمليك:
ومليكٍ قال: أنا شعبي
بفؤاديَ حبًّا يعتمرُ
ومع سمو فكرة القصيدة إلا أني لا أرى بحر (الخبب) الراقص مناسبا لموضوعٍ وطني.
لكن شاعرنا عوَّضنا بقصيدة وطنية أخرى كان فيها أكثر توفيقا - ولو أنها من مجزوء الكامل - ابتدأها باقتباس من القرآن الكريم:
اللــه علَّم بالقلمْ
قلم تشرف بالقسمْ
وفيها يقول متحدثا عن الوطن:
والسيف رمـز حدوده
والنخل رمزٌ للكرم
من حافر الخيل ابتدتْ
أمجادنا حتى القمم
ومن شعر الحكمة قصيدته التي اختتم بها الديوان وعنونها بـ (القصيدة)، بدأها بالتذكير بأن الدنيا ليست دار مقام:
فما الدنيا مقيــم أنت فيها
وما دامــت لك الدنيا مقاما
فهيــئ للجوائز كل جـهد
ولو كانت مصاعبها جساما
وإن أبدت لك الأيام سوءا
فكن بالحمد درعا أوحساما
ثم أخذ يبين كيفية التعامل في مواقف أخرى يمر بها المرء في حياته، وانتقل بعد ذلك إلى الفخر بشعره وتعداد محاسنه، قبل أن يختم القصيدة بشهادة الحق والصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولا يخلو ديوان شاعرنا من الطرافة، فمرة يصف خبز التميس بين يدي خبازه فيذكرنا بابن الرومي في وصفه للخباز، ومرة يصوغ قصيدة على شكل حادثة طريفة تعرض لها واثنين من رفاقه المتهورين اشتبكوا مع عصابة استوقفتهم وهم عائدون من السوق محملين بهدايا جلبها لخطيبته فأشبعوهم ضربا وسلبا. يقول في قصيدة (آه آه):
حمـلَ الكبيـرُ هـراوةً
وصغيرهم حملَ الحصاة
لم أدرِ أصرخُ من يدي
أو صــرختي: واركبتـاه
ومن أجمل قصائد الديوان قصيدة بعنوان (المسرح) ولا سيما ختامها:
يروي لنا فكر الشـعوب بفنهِ
بتنوعٍ يهدي السرور ويشرحُ
فـنٌّ ثقافتـه حضـارة منطقٍ
لا تهملوا إحساسه أو تجرحوا
يا من أردت من الفنون أتمها
إن التمام متى أردت المسرح
ومن الصور اللافتة للانتباه نتفة بعنوان (آية) يقول فيها:
الصبح فاتحة الدنا
وأنا وأنت القارئان
والروح منا برزخ
فيها المشاعر تبغيان
لكنه لم يتنبه إلى خطأ إسناد الفعل (تبغي) لألف التثنية مع أنه يعود لجمع تكسير!
ومن الأخطاء اللغوية قوله في قصيدة (الحب):
(قلت المذاهب أربع).. والصحيح (أربعة).
ومن الضرورات الشعرية المستكرهة في الشعر منع المنصرف؛ كما في قوله:
بوجهك إمساكُ من قد نوى وصوتك إفطارُ للصائمين
حيث منع كلمتي (إمساك) و(إفطار) من الصرف.
ولم يخض شاعرنا كثيرا من بحور الشعر، فأكثر من نصف الديوان من بحر الكامل تاما ومجزوءا، وحوالي ثلثه في بحري البسيط والوافر تامين ومجزوءين، ثم المتقارب والخبب بمعدل قصيدة واحدة لكل منهما.
وكما لم ينوع في البحور؛ لم تخرج قوافيه عن أكثر قوافي العرب استخداما إلا مرة واحدة جرَّب فيها روي (الشين) وأحسب أنه لم يوفق، فقد أجبره هذا الحرف على مفردات معجمية اضطر لشرحها في حواشي الصفحات.. يقول فيها:
أعييتنـي مـنْ منكـما
أصـلٌ وأولُـه بَغَـشْ
ومتـى الفـلاةُ وطئتَها
أضحت بموطئك الرَّبش
وتكـلمتْ فـي نشوة
لَخطاك أجمل مَن دشش
والصفو أنت مشاربي
ومشارب الغيظ الغشش
وأخيرا أقول لشاعرنا: ننتظر القادم الأجمل!..
** **
- سعد عبدالله الغريبي