أو ما أجمل بديعه ... لولا أنه.....!
العرب تقول «ما أقتله.. » من باب المبالغة
« نزار »... كلنا نعرفه ونعترف له بالشاعرية
لكن لازال سود منّا يترك إبداعه توقيا من سقط بعض (مفرداته)
ولهذا حاولت (( هنا )) أن لا يفقد المتحفّظ التذوق من بديع شعره لأقدم هذه... الطريقة أحسبها المثلى للتوفيق بين شعره وبين ذاك الفريق الذي ترك شعر نزار توقيا من سقطاته..
ولأقف بقلمي كما يقف بقلوصه كل من مرّ على (مرمر) أخذ منه جمال ما يلمع ، وأبهره منه ما استودع.. فإن لهذا الاسم تاريخا شامخ المكانة مع الذائقة وما أبقى لديها ، وحفر في خدّيها
.. كما والوقفة جليةً لا تزيل فيها ، فهي آتية طواعية
أن كلها اذانٌ صائغة لمقالتي ، أو كذا لسان مقالها لو نطقت
أقف وكلي تعجّب ..لاورد جميل /بديع /روائع من …
أفنان ما سطر/ أبحر/ حبّر/ أشعر..
لكن كم من ( آهٍ ) تعلو شفتيّ مخافة أن ..
يؤخذ كلامي على غير مرامه ، أو أن يسكب في غير نهره أو يوجه خلاف مقصده
بالذات وأنا أقوم بـ(استبدال) (2) (2) مفردات كنّ - أو كذا أحسب - السبب .. وراء هجر كثير من جواهره !
إذ خالطها بعضُ....
وعملية (الاستبدال) كما تدخل مشرطا لتنظيف الجرح قبل علاجه ! ، فإني أفعل ذلك كي / لا نحرم ذائقتنا الغمس في إناء عذوبة ما جدّل بالجُمل ، وأمهر بالكلمات.
.. يقول في رائعة تقصي القلب من جبل الصبر على الاغتراب .. فيتهادى أو لا يحسن التجلّد مما يطاله من سياط (الذكريات)
صباحُ الخيرِ يا حلوه..
صباحُ الخيرِ يا (دنياي) الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخانُ ( تخيلي) يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتّشُ - بعدُ - عن بيدر
عرفتُ (حُسن) أوروبا..
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..
وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر..
على (ملهمةً) تسرح بشعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً..
ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ..
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمتهِ..
.. وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ..
وتسألُ عن جريدتهِ..
وتسألُ - حينَ يأتي الصيفُ -
عن فيروزِ عينيه..
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..
دنانيراً منَ الذهبِ..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ «ساحةِ النجمة»
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفالِ حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ.. يا أمي
ووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..
قد زُرعت بداخلنا..
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا..
أتى أيلولُ يا أماهُ..
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ..
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ، دمشقُ.. يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره (حملناه)
أحبنا وإن (جفيناه)
وذبنا في محبّتنا
إلى أن في محبتنا قتلناهُ...
... ... ...
(1) جملة صِيغَةُ إِعْجَابٍ، أَيْ إِنَّهُ رَائِعٌ، وَهُوَ دُعَاءٌ لَهُ.
(2) الاستبدال تم .. ما بين القوسين. ويلاحظ أن المفردات - المستبدلة - قليلة ، مما يعني أنه كان في غنىً لو عنها استغنى.
** **
- عبدالمحسن بن علي المطلق