سعد بن عبدالقادر القويعي
لم تكن الآثار السلبية للتعصب الديني داخل المجتمعات العربية، وامتداد آثارها إلى الطائفية المذهبية داخل الدين الواحد, سوى قاسم مشترك لكل حالات التطرف، وهو عدم اعترافها، وقبولها بالآخر؛ الأمر الذي جعل من العقل الباطن أن يختزن صور الكراهية، ويرفض الآخر؛ مما جعل الإيديولوجية المتشددة نقطة خلاف، وليس التقاء؛ لأنها ناجمة عن مشاعر مكبوتة في الانتماء، وانفصام الذات عن المجتمع، وتعدد الانتماءات؛ - ولذا - لا غرابة أن يكون التطرف الإيديولوجي - في نهاية المطاف - اعتقادًا راسخًا في ضمير معتنقيه، - وبالتالي - فإن كل النشاطات الإرهابية المنبثقة عنه، هي نتاج طبيعي لأصل عقيدة التطرف؛ لأنها تنصر أقوالاً، وتلزم غيره، وتوالي، وتبرأ عليها من غير برهان، ولا أثارة من علم .
ظاهرة التعصب عابرة للأديان، والمذاهب، والجغرافيا، والتي لا علاقة لها - في الأصل - بالعقيدة الدينية، - خصوصًا - بعد أن أظهرت موجاته سيادة الأهواء، وتحكيم النزوات، والنزعات العصبية الضيقة، وفقد الروية، والاستجابة إلى عوامل الفتنة، والذي يقذف بالبشرية في أتون المشكلات، والمصائب، إلى ألوان من التطرف - السياسي والأخلاقي والفكري والاجتماعي والديني -، وما هو خليط من هذا كله، أو بعضه؛ حتى يسهل بعد ذلك عليها من تسويق شعاراتها في أجواء من التوتر، والأزمات، والحروب الأهلية.
من جانب آخر، فإن أسباب التعصب الديني متشابكة، ومتداخلة، وكلها تعمل بأقدار متفاوتة، ومؤثرة آثارًا مختلفة، بل يزداد سوءًا، ويحتد خطره إن قاد للنزاع، وأشعل فتيل الصراع، وتجرأ على إبطال الحق، وإحقاق الباطل، وهو ما أكد عليه إمام، وخطيب المسجد الحرام -الشيخ الدكتور- صالح بن عبدالله بن حميد في خطبة الجمعة، على أن: «التعصب غلو في التعلق بالأشخاص، والتمسك بالأفكار، والإصرار على المبادئ، لا يدع مكانًا للتسامح، ولا مجالاً للتفاهم، ولا فرصة للقبول. كما أنه ينطلق من تصورات مسبقة في تصنيف الناس، والمجتمعات إلى فئات دينية، وعرقية، ومذهبية، وقبلية، وسياسية، وفكرية، ومناطقية، ورياضية، وغيرها».
من أجل أن نصل إلى نهايات موفقة، فإن استثمار النتائج من مقدمات، واستولاد المسببات من أسباب، هي سنة الله في خلقه؛ وحتى لا يكون حديثنا اجتزاء مخلاً بمنهج المقال، أو سببًا في فصل الظاهرة عن أسبابها المعقدة، فإن التأكيد على لزوم الجماعة يعتبر عبادة، والخروج عليها من أبوب الفتن؛ كونها قائمة على الكراهية، والازدراء، والتمييز، - ومثله - ضرورة الفهم السليم للنصوص - القرآنية والسنية -، وعدم ربط الأفعال العدوانية للمتعصبين بالدين؛ من أجل أن يتحقق التعايش السلمي، ويتقبل الحوار بين الثقافات، والفئات المختلفة.