د. عبدالحق عزوزي
يجب التمييز بين ثلاثة أنماط ومشارب رئيسية في العمل السياسي الحركي في بعض الدول العربية:
1) هناك الحركات الإسلامية الدعوية، التي ترفض الانخراط في العمل السياسي الشرعي، مقابل اشتغالها حصرا في العمل الدعوي، كجماعات «الدعوة والتبليغ».
2) وهناك الحركات الإسلامية التي تراهن على العمل السياسي إما التصاقا بالعمل الدعوي أو موازاة معه، كما هو قائم مع ما يصطلح عليه بأحزاب الإسلام السياسي، وهاته الأخيرة إما أحزاب بدأت تتكيف أو تكيفت مع المجال السياسي العام بمفاهيمه داخل العلوم السياسية المقارنة كما هو حال حزب العدالة والتنمية في المغرب ونسبيا مع حزب النهضة في تونس أو لم تتكيف ويصعب عليها ذلك كما هو شأن الإخوان المسلمين في مصر.
3) وهناك أخيرًا نموذج الحركات الإسلامية الجهادية التي تراهن على العمل الجهادي ضد الجميع.
انطلاقاً من هذا التقسيم، لم يعد يخفى على أحد، أن استفراغ فئات الإسلام الحنيف في شكل سياسي وأن تقوم باستخواء الدين في مجموعات حزبية وأن تستبدل الإسلام السياسي بالإسلام ديناً، فهنا المصيبة العظمى والداهية التي ليس لها من دون الله كاشفة، وهو خطر على الدين والإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء.. ولقد كان لهذا الزج آثار سلبية وخيمة على جماعات المسلمين، فمن تلك الأحزاب من قضت نحبها ومنها من تنتظر ومنها من رزقت بذور الحكمة وبدأت تتساءل عن تلك العصمة وتلك القداسة وتلك الحلول السحرية للمجتمعات التي كانت تدعيها... واستوقفني هنا منذ مدة حوار جدي ومطول أجرته إحدى الجرائد مع عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة التونسية التي حكمت تونس بعد أول انتخابات تلت حكم الرئيس المخلوع بنعلي، قبل أن تترك كرسي رئاسة الوزراء، ومن خلال هذا الحوار يمكن أن نستخلص ثلاثة دروس رئيسية:
- الدرس الأول: هو أن صندوق الانتخابات يمكن أن يوصل الحزب الإسلامي إلى الحكم ولكنه ليس كافياً للحكم، وهذا كلام في غاية الدقة. فبدون سند رجال الإدارة أو لنقل رجالات الدولة وبدون رجال الأعمال والمستثمرين لا يمكنك أن تبني دولة بل وحتى مؤسسة بسيطة، زد على ذلك أنه من يريد أن يمثل شريحته وأتباعه فقط فإنه يبقى معزولاً في الداخل والخارج قبل أن يتحجر عقله ويصبح أكثر سلطوية وأكثر دكتاتورية... فالفرد ليس له سلطة مطلقة لأن الحكم يقوم على نظام دقيق ومؤسسات محددة لا يكون الحاكم فيها إلا جزءاً من أداة الحكم، جزءاً مهماً ومؤثراً لكنه على القطع ليس كل النظام وليس بديلاً عنه أبداً...
- الدرس الثاني: فالفرق كبير بين النظرية والتطبيق. وتسيير الشأن العام يحتاج إلى رجال أكفاء مختصين لهم علم ودراية بمسائل التنمية والنهضة والتشغيل والتربية والتكوين والتعليم والمجالات القطاعية، ويحتاج إلى خبراء وذوي الاحتكاك اليومي بمشاكل المجتمع الحقيقية لا على أناس «عائمين بين السحاب والكتاب» يبنون أقاويلهم على أوهام وأخطاء وأكاذيب وتحاريف وتخاريف ما أنزل الله بها من سلطان... الوطن العربي في حاجة إلى تصورات وسياسات جديدة في تسيير الشأن العام وإلى سياسات اقتصادية وتنموية ناضجة وجادة غير عابثة، وواقعية غير عاطفية أو جاهلة.
لذا عانت تلكم المجموعات من التفكير الجماعي الأحادي، والتشابه والتناغم في العقليات بين أفراد معينين، لهم أيديولوجيا سياسية واحدة، ونظرة واحدة وخاطئة عن المجال السياسي العام وعن العالم وعن الحياة وعن علاقة الإنسان بالآخر، والنتيجة النهائية هي أن المعرفة الحقيقية، والتفكير، والتخطيط، والتنظير، تبقى غائبة أو يتجاهلها العديد من الفاعلين منهم.
- الدرس الثالث: الإسلاميون مطالبون اليوم وليس غداً بتغيير ألبستهم الحاملة لشتى أنواع الأمراض المزمنة وليصبحوا مجموعات واقع لا مجموعات شعارات مدوية لا تسمن ولا تغني من جوع... لقد ضيعت الأحزاب الإسلامية الوقت الكثير وألحقت بشعوبها الضرر الكثير، وما آن الأوان لكي تتسم جميعها بالحكمة والحكمة ضالة المؤمن لإنشاء دول وحضارة سامية سامقة، يكون الله سبحانه وتعالى قبلتها والمعبود وحده، ويكون كل إنسان في العالم محورها ومركزها. فعار ثم عار أن تدخل الأحزاب الإسلامية دولها في متاهات وخرافات تهدم النظم ولا تنشئ، تقوض ولا تبني، تخلع ولا ترفع، وتحدث الفوضى الذي بدأ يجتاح كل شيء، والعدم سوف يقضي على كل حياة، ويصعب بعد ذلك إنشاء أي كيان جديد سليم.