سمر المقرن
برغم تطوّر أدوات الحوار وكثرة أدواته ومواقعه، إلا أن المتابع لأي حدث جديد يلحظ مباشرة وجود أزمة عند أي اختلاف بالرأي، ونبرة الإقصاء لا تخص تيار معين، بل هي حالة منتشرة إلى حد كبير كما نرى عند وجود أي مواضع للخلاف، بل حتى على أحداث بسيطة نرى حالة إقصاء وتوجيه اتهامات مرعبة للطرف الآخر حتى على أبسط المواضيع. وهذه الحالة «للمعلومية» ليست سمة لتيار فكري معين، كما كنّا نلحظ هذه السلوكيات من قِبل من هو متشدد أو لمن ينتمي لتيار حزبي وخلافه، بل حتى إن -بعض- ممن يطالب بالرأي والرأي الآخر والحريّات الفكرية، نجد منهم من يُقصي من يختلف معه ويركن به مباشرة إلى خانة التصنيفات لمجرد أن فكرة (ما) لم تعجبه!
عجيب أمر هذه العينات الكثيرة، التي أُفضل متابعتها من بعيد، فقد أوذيت كثيراً من كل تلك التيارات بلا استثناء بسبب اختلاف في الرأي أو حتى جزء من الرأي أو الاختلاف على مجرّد فكرة، فهناك من يحتقن ويسن سيوف العداء ويضع كل الخطط وآليات تنفيذها تجاهك لمجرّد الاختلاف! من هنا أجد أن الاختلاف لم ينضج بعد، برغم أننا من أكثر الناس الذين ولجوا إلى بوابات المواقع الحوارية والمنتديات منذ سنوات طويلة، ولغاية اليوم مع مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه ومع هذا كلّه، ما زالت أزمة الحوار والاختلاف تحفّ بنا من كل جانب، منذ زمن طويل كحالة ثقافية عامة سواء من قِبل النخبة المثقفة أو على مستوى أفراد المجتمع، إلى الوقت الحالي الذي ظهر فيه المثقفون الجدد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ظهروا بأدوات جديدة لكنهم لم يتخلوّا عن اعتناق النهج المتشنّج الذي «ورثوه» في تنشئتهم الفكرية حال الاختلاف بالرأي، بالمحصلة -كما أرى- أن الاختلاف بالرأي يستخدم وسيلة واحدة بغض النظر عن الانتماء الفكري.
من يرى هذه الحالة المؤلمة، يتمنى أن تنأى عنها الثقافة المجتمعية وترتقي بأدوات الحوار والاختلاف، لكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فالمجتمعات تنضج بالهوية الثقافية التي يصنعها النخبة، وما دام هناك أزمة حوار واختلاف ما بين النخبة المثقفة، فليس علينا أن نلوم عامة المجتمع، وإن كان هناك تطوّر حصل في هذا السياق، فهو ليس نتيجة ثقافة مع وجود الكثير من الجهود التي تسعى للرقي بمستوى الاختلاف، إنما هي نتيجة قوانين حجّمت كثيراً من الفجور اللفظي بالخصومة والتعدي عند الاختلاف!