د. عبدالرحمن الشلاش
لا أومن بالأحزاب لذلك أول مرة سمعت فيها بالحزبية أو مصطلح «الحزبيون» في المملكة عندما كنت أعمل في التعليم العام. كنا نعرف من يسمون «المطاوعة» أو بالمتدينين ومنهم طلبة علم ومشايخ ومعلمون لهم مكانة وقدر كبير في نفوس الناس لأنهم في ذلك الوقت وتحديداً بالقرب من نهاية الألفية الثانية أو قريب من بداية أزمة الخليج الأولى يعملون لصالح وطنهم في التدريس والدعوة ويحرصون على اللحمة الوطنية والتفاعل الإيجابي مع قادة هذه البلاد والنصح لما فيه الصالح العام.
أذكر أنني لم أعرف غير هؤلاء الذين ذكرت لكن من نبهني إلى وجود فئة لديها توجهات وتعمل في إطار أجندة أحد الزملاء كان يحذّرنا بشكل مستمر من الحزبيين أو القطبيين الذين يعملون في التعليم ويوجدون في مناصب حساسة جداً. بدأنا نلمس مع الوقت توسعاً كبيراً في جهود هؤلاء الحزبيين في استقطاب من يتفقوّن معهم في التوجه وتعيينهم في الإشراف وإدارات المدارس ووضع العقبات لمن يخالفونهم في التوجه، بل والتضييق عليهم ومحاولة إقصائهم وتهميشهم. هذه الفترة كنت شاهد عصر عليها ولا أنقل ما أكتبه عن أحد، بل من مشاهدات حيَّة من الميدان التربوي الذي تلوّث بأفكار لا تخدم المصالح الوطنية ومنها الانتماء الوطني, وحب الوطن والعمل لصالحه. كل شيء يعزِّز الولاء الوطني يقفون أمامه بكل قوة. أذكر وقوفهم ضد النشيد الوطني ووضع صور قادة البلاد في المكاتب وإقامة الاحتفالات بمناسبة اليوم الوطني بحجة أنها تتنافى مع الدين الإسلامي. كنا نفاجأ بأشخاص يدعون إلى نبذ الوطنية وأنها من الجاهلية, والوطن حفنة تراب وكأننا أمام ظاهر مغلف بالدين وباطن خفي خلف الكواليس لا أحد يعلمه كل هذا كان يحدث في التعليم الذي يعوّل عليه الوطن كثيراً. كنا نسمع بعلوم الدنيا وعلوم الآخرة. كان حرصهم شديداً على قيادة الطلاب في الرحلات البرية والمخيمات والانفراد بهم بعيداً عن الأعين!
اليوم بعد سنوات سقطت ورقة التوت وظهرت أشياء كثيرة, بل قل «ماذا بقي من مكرهم لم يظهر؟». سمعنا تصاريحهم الرنانة بتأييدهم الثورات العربية ودعوتهم الشعوب للتحرّك من أجل الحرية المزعومة التي يمنون الناس بها بأحلام وردية وكلام معسول لكنه خادع. باتوا يعلنون ولاءهم لأوطان أخرى يدافعون عنها لأنها تدعم أجندتهم بقوة, لكنهم لا يدافعون عن هذا الوطن الذي يحتضنهم!
عندما يوقف جهاز أمن الدولة مجموعة من الذين يعملون منذ سنوات ضد هذه البلاد فهي البداية لاستئصال هذا الورم الخبيث من جسد الوطن لأنه لا خير فيهم ولا كفاية شرهم وحان الوقت لوقف كل نشاطاتهم الشريرة.