القصيم - خاص بـ«الجزيرة»:
كشف مفتي منطقة القصيم فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار عن أهم القضايا التي ينبغي أن يركز عليها الدعاة في هذا الشهر الفضيل باعتبارها من أوجب الواجبات التي يجب تذكير الناس بها وهي قضايا الإيمان بالله تعالى وتوحيده وبيان أسمائه وصفاته، وكذلك قضايا الإيمان والكفر وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك.
وقال د. عبدالله الطيار في حواره مع «الجزيرة» في جزئه الثاني أن لشهر رمضان المبارك أثراً كبيراً في إقامة ما اعوج من حال كثير من المسلمين، حيث نرى كثرة التوبة في رمضان وبعده، ونرى التغيير في سلوك كثير من المسلمين في رمضان وبعده. وتناول الحوار مع فضيلته عدداً من الموضوعات والمسائل الشرعية وفيما يلي نص الحوار:
* ما زالت عقيدة الولاء والبراء تواجه حملات شرسة من أعداء دين الله لإضعافها في نفوس الأمة؛ وخاصة في هذه الأيام مع تواكب عصر التحديات المتنوعة، فما هو دور شهر رمضان المبارك في إحياء هذه العقيدة، وكيفية الذب عنها؟
- من خصائص المجتمع المسلم أنه مجتمع يقوم على عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حادّ الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين
وهاتان الخاصيَّتان للمجتمع المسلم هما من أهم الروابط التي تجعل من ذلك المجتمع مجتمعاً مترابطاً متماسكاً، تسوده روابط المحبة والنصرة، وتحفظه من التحلل والذوبان في الهويات والمجتمعات الأخرى، بل تجعل منه وحدة واحدة تسعى لتحقيق رسالة الإسلام في الأرض.
ويعدُّ شهر رمضان من أعظم الشهور الذي يتجلى فيه هذا الركن العظيم أعنى (الولاء والبراء) ففيه يتميز المسلم عن غيره ويتضح ذلك في الهوية والارتباط بالدين، والشعور الواحد، والعمل الواحد على مستوى جميع المسلمين، وهذا من أعظم معاني الولاء لله ورسوله والمؤمنين.
ومن أعظم صور الولاء والبراء التي تجلت في هذا الشهر العظيم ما حصل من معارك عظيمة كانت بمنزلة القول الفصل في إظهار معاني الولاء والبراء ففي غزوة بدر التي كانت في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة تجلى هذا المعنى العظيم.
وكذلك في فتح مكة الذي كان في العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، ومعركة القادسية كانت في رمضان سنة خمس عشرة للهجرة بقيادة سعد بن أبي وقاص، وفتح بلاد الأندلس الذي كان في رمضان سنة 92 هـ بقيادة طارق بن زياد، ومعركة الزلاقة وهي في جنوب دولة إسبانيا حالياً كانت في سنة 479هـ.
ومعركة عين جالوت كانت في رمضان سنة 685هـ بقيادة السلطان قطز والقائد العسكري بيبرس، وموقعة حطين كانت في رمضان سنة 584هـ بقيادة صلاح الدين. كل هذه المعارك وغيرها مما لم نذكره تجلى فيها هذا المعنى العظيم فالحاصل أن لهذا الشهر الكريم كبيرَ الأثر في إقامة ما اعوج من حال كثير من المسلمين، فنرى كثرة التوبة في رمضان وبعده، ونرى التغير في سلوك كثير من المسلمين في رمضان وبعده ولأن أعداءنا يذكرون ذلك، ويفهمون خطورة رمضان على مخططاتهم فإنهم يظلون طوال العام يستعدون لرمضان بزخرف القول وسيئ العمل، ولكن بفضل الله - تعالى- يمسي عملهم بوراً ويذهب جهدهم هباءً منثوراً.
* يقتصر بعض الدعاة خلال شهر رمضان المبارك على استخدام الأساليب الوعظية للدعوة إلى الله في هذا الموسم المبارك؛ فهل هذا يكفي؟ أم أن الأفضل استغلال الشهر في تعليم الناس القضايا الأساسية التي تغيب عنهم؟ ولو كان الأمر كذلك فما هي هذه القضايا؟
- مما لا شك فيه أن لشهر رمضان مزية لم تكن في غيره من الشهور ففيه ترى النفوس مقبلة على الله وفيها من السكينة والرحمة والمحبة والأنس بالله وانتظار ما عنده من الثواب ما لم يكن في غيره وعليه فلا بأس من استغلال هذه المواقف وهذه الأوقات من تربية النفوس على معاني الإيمان وتذكيرها بأهم ما يجب عليها من أمر الله وذلك بأسلوب الوعظ والتذكير بالترغيب تارة والتخويف أخرى وهذا أمر مطلوب لإيقاظ القلوب من غفلتها، ولكن هذا جزء من الدعوة إلى الله،
ومن أهم القضايا التي ينبغي أن يركز عليها من خلال هذا الشهر قضايا الإيمان بالله تعالى وتوحيده وبيان أسمائه وصفاته وكيفية الإيمان بها هذا من أوجب الواجبات التي يحب تذكير الناس بها، وكذلك قضايا الإيمان والكفر وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك، والتحذير من أصحاب البدع الذين ضلوا عن منهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والكفر. ومن القضايا التي ينبغي أن يعتنى بها خلال هذا الشهر المبارك قضية الولاء والبراء التي يحاول أعداء الإسلام دائماً أن يبعدوها عن أذهان المسلمين، ليتحول الإسلام إلى مجرد مبادئ إنسانية وسلوكيات شخصية بعيداً عن واقع الحياة وتنظيم شؤون المجتمعات.
* كيف يستفيد المسلمون من أجواء رمضان لإنهاء ما بينهم من خلافات وصراعات وتعود بينهم مشاعر المحبة والمودة خلال شهر رمضان المبارك؟
- في ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من نكبات وويلات، وفرقة وشتات، وتسلط للأعداء في بقاع كثيرة منها، لا شيء يوحدها مثل شهر رمضان الكريم، المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتفقون على تعظيم شهر رمضان يجتمعون فيه على العبادة والطاعة كما أمرهم المولى عز وجل.
وفي رمضان تظهر الوحدة العظيمة للمسلمين؛ فشهر واحد وصيام واحد وقبلة واحدة ومنهج واحد. فالله سبحانه وتعالى حينما خاطبنا بالصيام خاطبنا جميعًا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
والواجب على المسلمين عموماً بذل الجهود في توحيد كلمتهم، وإنهاء الخلافات والصراعات والنزاعات بينهم، شعوباً وبلداناً أفراداً وجماعات.
* كيف تتحقق للمسلمين في عالم اليوم نهضتهم العلمية وتعود لهم ريادتهم الحضارية؟ وهل يمكن أن تتحقق النهضة بمعزل عن الدين كما يرى البعض؟
- قبل بيان كيفية النهوض بالأمة وعودتها إلى ما كانت عليه لا بد من معرفة الأسباب التي أدت بالأمة إلى ما هي فيه وبخاصة في هذه الأزمنة المتأخرة. فلا يمكن العلاج إلا بمعرف السبب، ومن نظر بعين البصيرة والإنصاف إلى الأسباب الحقيقية التي كانت سبباً في تخلف الأمة عن ركب الحضارة وجد أن سبب تخلف الأمة هو لتغييب شريعة الله والتخلف عن ركب الكتاب والسنة، والتنكر لمنهج أسلافنا الصالحين ومخالفته. حيث استبدلنا الذي هو أدني بالذي هو خير، فكان الجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً، وقد قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} {الأنفال: 53} وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} {الرعد: 11}.
فليس الداء إلا في مخالفة أمر الله، فهو الذي يزيل النعم، ويُحل النقم، ويجلب الشقاء والعناء، ويرفع البركة والعافية.
فلا يمكن للأمه أن تعود إلى عزها ونهضتها وهي تتنكر لدينها وليس لذلك من دواء إلا بالرجوع إلى الله تعالى.
فالقضية قضية موافقة أو مخالفة لأمر الله، وبذلك يتحدد مصير هذه الأمة سعادة أو شقاء، ولن يرفع عن المسلمين ما هم فيه إلا إذا راجعوا دينهم، وبذلك نطق الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه فقال: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
وفي رواية: «ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه». رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
فبهذه النصوص ونحوها ينبغي أن يوصَّف داؤنا لنهتدي لعلاجه، وإلا درنا في حلقة مفرغة من الأفكار الشرقية والغربية، وهذا أصل كل بلية.
فلا يمكن أن تتحقق النهضة بمعزل عن الدين كما يرى البعض، بل متى خاف العباد ربهم فاتقوه وأصلحوا حالهم معه بالإيمان والعمل الصالح، أورثهم الأرض واستخلفهم فيها، كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] وقال عز وجل: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] وقال: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:13، 14].
إن ما يدعيه البعض من السبب الحقيقي لما آلت إليه الأمة هو غياب الديمقراطية المزعومة وتقليص الحريات وتجاوز أحكام القانون. ونحو ذلك !!! فهذا تصور بلا شك مغلوط فرضته علينا التبعية المقيتة للفكر الغربي، وغياب منهج الوحي المعصوم، وهو في الوقت ذاته مخالف للسنن الإلهية المستقرأة من أدلة الشرع ووقائع التاريخ وأحداث الواقع.