أُسدل الستار مؤخرًا على فعاليات ملتقى «التربية الإعلامية في ظل الرؤية الوطنية 2030» برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الجوف، وافتتحه محافظ القريات الأستاذ عبدالله بن صالح الجاسر، ونظمته الإدارة العامة للتعليم بمنطقة القريات بمقرها في الفترة من 25 إلى 26 رجب 1439 هجرية، بمشاركة أعضاء في مجلس الشورى، ونخبة من المختصين والمختصات بمجال التربية الإعلامية والإعلاميين، إلى جانب جمع غفير من كوادر الميدان التربوي والطلبة.
إن مصطلح التربية الإعلامية ليس بجديد؛ فقد ظهر في أواخر الستينيات، إلا أن فهم هذا المصطلح تطور بدرجة كبيرة؛ فالإعلام وسيلة تعليمية. وبحلول السبعينيات بدأ يُنظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام، وبشأن تكنولوجيا وسائل الإعلام الحديثة، وبشأن التعبير عن الذات بوصفه جانبًا من المعرفة الإنسانية الأساسية.
وجاء عصر الحواسيب والهواتف النقالة المتصلة بالشبكات، وأظهرت الحاجة الملحة إلى تعزيز وتشجيع دور الإعلام وتقنيات الاتصال في مختلف مجالات الحياة العلمية والعملية، كما عززت الحاجة لتطوير الطرق التربوية، والتدريب على كيفية معرفة تقنيات الاتصال، ومن ثم تعلُّم التقنية الرقمية؛ ليكون المواطن قادرًا على الإسهام في استمرار التنمية والتطوير المجتمعي.
إن التربية الإعلامية تساعد المتلقي على اكتساب مهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي، واتخاذ القرار.. وكثيرًا ما كان ينظر إلى التربية الإعلامية على أنها مشروع دفاع، يتمثل هدفه في حماية النشء والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، والتركيز على كشف الرسائل المزيفة والقيم «غير الملائمة»، وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها، وحُسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعَّالة.
ومن وجهة نظري، إن التربية الإعلامية يجب أن يُنظر إليها على أنها مشروع مجتمعي وحضاري وقائي متكامل، يتمثل هدفه في نشر مفهوم التربية وفق أُطر ترسخ المبادئ والقيم التي تتبناها الدولة في أذهان الطلبة من خلال اتباع الرقابة الذاتية والممارسات الإيجابية في التواصل مع الآخرين، وعبر تشكيل وعي لدى الطلبة حول أهمية المعلومات، وكيفية تبادلها على مختلف منصات الإعلام الرقمي التي تقود المشهد داخل المجتمعات.
إن سلبيات الإعلام البديل التي تتمثل في بث الأفكار المتطرفة والشائعات، ونشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة، وانتهاك خصوصية الآخرين، وتنفيذ جرائم النصب والاحتيال عبر الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي.. تستوجب على قطاعات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أخذ التدابير كافة التي من شأنها حماية الطلبة وأفراد المجتمع من التضليل الذي يعتري بعض الأخبار والمعلومات المتداولة والممارسات السلبية.
لقد كان الهدف الرئيس للملتقى إحداث حراك تعليمي نوعي في المجتمع التربوي انطلاقًا من حرص إدارة تعليم القريات على التنمية المهنية، واستجابة لتطلعات القيادة، وتحقيقًا لرؤية المملكة 2030. ولقد نجح في ذلك - ولله الحمد -. ولقد استحضرت كلمة المدير العام للتعليم بالقريات الدكتور محمد بن عبدالله الثبيتي عندما ذكر «أهمية إنجاح برامج وفعاليات هذا الملتقى؛ إذ يسعى نحو تقديم إعلام هادف وإيجابي، يستهدف جميع أطياف المجتمع، خاصة الطلبة في جميع مراحلهم التعليمية، ومناقشة أفضل السبل لتوظيف التربية الإعلامية - مفهومًا وعملاً - في تحقيق تطلعات حكومتنا الرشيدة في إعداد المواطن المسؤول والمسهم في بناء وطنه».
إن مشروع التربية الإعلامية يعد بحد ذاته مشروعًا يهدف إلى غرس إطار معرفي وقيمي لدى أفراد مجتمع قادر على الكشف عن الرسائل المغلوطة التي تحملها بعض الأخبار في وسائل الإعلام وشبكات التواصل، لا يمكن بلورته إلا من خلال تكريس التعاون الوثيق بين مؤسسات المجتمع المدني كافة ابتداء من الأسرة والمدرسة والجامعات بغية تحصين الطلبة من الممارسات السلبية كافة التي تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعي، والنأي بهم عن أي أخطار أو تهديدات تمس الأمن الفكري.
ولعل توصيات الملتقى قد تساعد في بلورة استراتيجية تتبناها الدولة, أسرد هنا أهم ما جاء فيها:
1 - وضع استراتيجية تتبنى التربية الإعلامية كممارسة في المملكة العربية السعودية؛ وذلك في ظل الارتفاع المتزايد لمعدلات تعرُّض فئات المجتمع السعودي، خاصة الطلاب، لوسائل الإعلام، ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، مع عدم وجود الوعي الكافي لدى هؤلاء الطلاب بمخاطر هذه الوسائل على أمن الطلاب الفكري والاجتماعي.
2 - دعوة المختصين في الجامعات السعودية إلى إعداد دراسات تهتم برصد مهام وأدوار التربية الإعلامية للتصدي للتحديات كافة، وتحقيق الأمن الفكري والاجتماعي للطلاب.
3 - تبني أنشطة وفعاليات من قِبل الأقسام المختصة في نشر الثقافة الإعلامية في المؤسسات التعليمية، وإدراج ثقافة التربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية ذات العلاقة.
4 - ضرورة العمل على تطوير الخطاب الإعلامي لوزارة التعليم؛ ليتضمن التربية الإعلامية كأساس لخطابها الإعلامي من خلال إيجاد منصة إعلامية تفاعلية، تهدف إلى تأصيل التربية الإعلامية.
5 - تخصيص جائزة سنوية، تسمى «جائزة التربية الإعلامية»، وتخصص للإدارة التعليمية التي تتميز في تطبيق التربية الإعلامية في برامجها.
6 - بناء شراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتطوير برامج وتطبيقات للتربية الإعلامية، يستفيد منها طلاب التعليم العام والخاص.
أشكر للقائمين واللجان العليا برئاسة المدير العام للتعليم بالقريات الدكتور محمد بن عبدالله الثبيتي، والعاملة على هذا الملتقى بكامل أعضائه، ولاسيما القائمين عليه، على حُسن وروعة التنظيم، وأخص مدير الإعلام التربوي الدكتور معاوية الكويليت والدكتور فواز العنزي، وأهالي المنطقة، على رحابة الصدر وحفاوة الاستقبال.. كما نشكرهم على الاهتمام بتبني فكرة الملتقى «التربية الإعلامية في ظل الرؤية الوطنية 2030»، وأؤكد أن الملتقى قدم ما هو مرجو منه، وأسهم في نشر الوعي والتثقيف حول التربية الإعلامية من خلال كثافة الحضور للخبراء، وأوراق عملهم التي قُدمت.
** **
- أستاذ الإعلام الجديد