الوقت هو حياة الإنسان، فتنظيمه هو تنظيم لهذه الحياة، وجعل ساعاتها وأيامها ساحة تنفيذ المهام اليومية والمشاريع الحياتية بتنظيم وانسجام يساعد الإنسان على تخطي الكثير من المتاعب الحياتية التي يتعرض لها الفوضويون الذين لا يحسنون إدارة الوقت وتنظيمه فتضيع الفرص وتتلاشى الأحلام وتختفي الأهداف، فتنازع الإنسان المشكلات من كل صوب وتنهشه الهموم بكل لحظة، فتضحى حياته تعباً مستمراً لا يستطيع اللحاق بها فقد سبقته أحلامه كثيراً وتأخرت إنجازاته أكثر فلا يستطيع التوفيق بينهما فينهك على طريقهما..!
لم يعد تنظيم الحياة اليومية بتنظيم الوقت ترفاً فكرياً، بل ضرورة حتمية لاستكمال دورة حياة هادئة وناجحة لأي شخص، وخاصة في ضوء ازدحام جدول كل منا اليومي بكثير من المشاغل والالتزامات والمواعيد ووو.. فإن لم يجر تنظيم كل هذا دبت الفوضى، فننسى بعض العمليات ونترك ونتخطى بعض الواجبات وتتراكم كثير من الأعمال غير المنجزة فيصبح لزاماً التخلي عن بعضها وسلق أخرى ..!
الفوضوية في الحياة نتائجها سلبية للغاية فلا أعمال منجزة ولا أهداف واضحة فكل الطرق بالنسبة لصاحبها سواء وكل الأبواب متشابهة ولا قيمة لأي إنجاز، هكذا تكون هذه الشخصية هامشية وقد تنحرف كثيراً عن الطبيعة الإنسانية السوية، بل قد تختل بأمراض نفسية شتى كنتيجة لسوء الحال وانحداره باستمرار نحو القاع..!
فالناس إذن صنفان من هذا المنطلق حسب بعض الدراسات، فالقسم الأول من يعمل ببيئة مرتبة هذا القسم يحصر اهتماماته في أهم الأمور كما يراها ويعمل عليها بتركيز ودقة ملتزم بمواعيد أعماله وتنفيذها بأمانة وحرفية، فتكون له نتائج صحيحة وسليمة وبوقتها.. والآخر فوضوي تختلط عليه الأمور وتتشابك عليه الواجبات وترتمي فوق رأسه المشكلات كنتيجة حتمية لهذه الفوضى..!
وهكذا يكتب على أي عمل غير منظم عادة واحدة من ثلاث، أما الفشل أو الغوغائية أو تكبد خسائر كثيرة لإنقاذه مما سبق والرهان على نجاحه بقوة دفع التكاليف العالية، لكي يصل إلى المبتغى أو قريب منه وهكذا تجد مثل هكذا مشروع يطرق أبواب مختلفة لدخولها عسى أن تساعد في إنجاح هذا المشروع ويسلك طرقاً مختلفة يغيرها بين فترة وأخرى ويعيش تجارب عديدة للوصول إلى الهدف المنشود، وهكذا تحمل كل تجربة مشكلاتها معها لتعبر فوق معوقاتها أو إزالتها فتقتضي تكلفة تخصها وجهوداً إضافية للانتقال بها إلى المراد، وكثيراً من الأحيان بسبب تشابك هذه الطرق وطول الفترة الزمنية المستغرقة وارتفاع التكلفة فيتحتم على القائم عليها تغيير حساباته فقد يترك المشروع برمته تعباً وإرهاقاً أو استنزافاً وخسارة، وفي أفضل حالاته يقبل بأقل مما طمح الوصول إليه، بل قد يقبل بشيء مناقض له تماماً..! الإشكالية هنا تبدأ في آلية التفكير التي اعتمدت أصلاً في تسيير هذا المشروع منذ البداية والتي لم تعتمد على فهم الوضع العام وإيجاد الخطط المناسبة التي يباشر بتنفيذها وأيضاًً الخطط الاحتياطية والبديلة في حال تعذرت الأولى.
من الزاوية الاجتماعية فإن الشخص الفوضوي الذي نتعامل معه متعب جداً، ولا يمكن الاعتماد عليه بأمر ما، حيث إن الحياة بأصلها اجتماعي أي تعاوني فتجد مثل هذه العينات عالة وعلة بذات الوقت..!
مما يساعد على تنظيم حياتنا اليومية استخدام مذكرة أو مفكرة يومية يسجل فيها كل المواعيد والأعمال التي يجب القيام بها بتواريخها المناسبة والالتزام قدر الإمكان بتنفيذ هذا الجدول، تكتب هذه الالتزامات بألوان مختلفة حسب أهميتها، أخذ المواعيد المسبقة قبل وقت كافٍ وتحضير مستلزمات ذلك، إعطاء الواجبات التي يقوم بها الآخرون لهم قبل وقت كافٍِ لكي يتمكنوا من تنفيذها، إعطاء المهام اليومية لمن هم مكلفون بذلك لكي يتفرغ الإنسان لأعماله الخاصة به، استغلال الفترات غير المشغولة في البيت بإنجاز بعض الأعمال البيتية الصغيرة المتحتم إنجازها أو دعوة من ينجزها بذلك الوقت..
في الحقيقة هناك من يخطئ باقتطاع جزء من الوقت على أنه وقت فراغ، وهذا تفكير ليس صحيحاً، بل إن حتى فترات الراحة من الأعمال وفترات التأمل والاستجمام وغيرها هي فترات مليئة ببرامجها هذه لإعادة شحن الطاقات من جديد، للقاء أعمال تنتظر الإنجاز.. التعود على تدريب النفس على الترتيب والتنظيم لإدارة الوقت..!
بتنظيم الوقت والتخلص من الفوضى، تهنأ الحياة وتسير في اتجاهاتها المختلفة دون ارتكاب حوادث في مساراتها المختلفة والمتشعبة تعطل انتظام حركتها الحياتية لتفضي دائماً إلى نتائج أجمل في وقت أقصر فيكون هناك متسع من الوقت للسعادة والجمال..!