زكية إبراهيم الحجي
إذا كانت عظمة الغاية.. وقلة الوسائل والنتائج المذهلة.. هي مقاييس لعبقرية الإنسان فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ بمحمد صلى الله عليه وسلم.. حياته فريدة وتتجلى فرادتها في عظمة قدره ومنزلته.. كان قمة سامقة تقصر دونها القمم.. ومكانته رفيعة تتوارى معها كل مكانة ومنزلة مهما علت وسمت.. رسالته رسالة خاتمة أنزلها رب العباد للناس كافة.. رسالة عظيمة امتدت ما بين يا أيها المدثر وبين نصر من الله وفتح عظيم.
رحيق مختوم سنظل نستمتع بحلاوته نحن وجميع الأجيال المتتابعة.. رحيق رسالة حملها ذلك العظيم الفريد بوحي من الله سبحانه وتعالى ليبلغها للبشرية جمعاء.. بدايتها ما بين يا أيها المدثر وبين نصر الله.. بداية تُظهر مهمة بطل عظيم لم ينتظر ولم يتوقع ولم يُعد نفسه لمهمة اقتلاع جذور الوثنية ورواسبها فكرياً ونفسياً وتطهير العقول من المعتقدات الباطلة التي تجعل صاحبها أسير الجهل والخرافات وانحراف الفطرة.. مهمة عظيمة لنبي أمي أرسله الله سبحانه وتعالى لتغيير التاريخ وتوجيه مسار الإنسانية إلى توحيد الله الواحد الأحد.
لم تكن البداية سهلة يسيرة ولم يكن الطريق ممهداً له.. ولم تكن القبائل متصالحة مع دعوته ولم يكن التهديد والاتهامات الباطلة والسخرية والاستهزاء والغمز واللمز بمنأى عن محمد صلى الله عليه وسلم بل أحاط به وعانى كثيراً من هذه العداءات لكن محمداً عليه أفضل الصلاة والسلام استمر في دعوته وسط الغيوم الملبدة والظلام الحالك والعداوات التي يواجهها.
خاطب الوحي رجلاً خائفاً حائراً فعرَّفه بذاته ورسالته الأولى {اقْرأ بِاسمِ ربِّكَ الذي خَلَق} ثم {يا أَيُّها المُدَّثر قمْ فَأنْذِرْ} إلى غير ذلك من آيات خاطبه بها الوحي ليعيد له ثقته بمعطيات واقعه الجديد وبهويته الجديدة كرسول الله الموحى إليه من السماء.. وطمأنته وإن ثقُلت وصعبت مهمته وتعذب في طريقها الذي اختاره له المولى عز وجل.. رحلة طويلة في طريق مليء بالأشواك والعذابات والآلام إلا أن التضحية في سبيل رسالته وتحقيق هدف الدعوة التي كُلِف بها واحتفاظه بدوره الروحاني الديني كحامل الحكمة المهداة.. والرسالة التي اختاره الله لها كانت مستقرة في جوانحه.. هاجر من أرض إلى أرض ومن دار إلى آخر ساعياً جاداً في سبيل نشر رسالته المختارة للبشرية أجمع رسالة الإسلام العظيمة والدعوة إلى توحيد الله عز وجل لينتهي مطاف رحلته المعجزة في إنجازاتها متوجة بنجاح إيصال الرسالة التي اختاره الله عز وجل لحملها وإنجاز المهمة التي اختير لها وأيده بها ولها المولى فكان النصر والفتح.
ولنا في قصة رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستنيرة أروع مثال لسعي الإنسان وكفاحه وتضحيته في سبيل تحقيق الذات والهدف الذي نؤمن به.