محمد بن عيسى الكنعان
ما أن يقع حادث أو أزمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة -كما حدث في أعقاب افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس- حتى يخرج علينا من دكاكين باعة القضية والمزايدين بآلام الشعب الفلسطيني من يتهجم على المملكة وقيادتها، ويطعن في مواقفها المشرفة والثابتة من القضية الفلسطينية، وهو في حقيقته يعبّر عن حقد بغيض ويتكلم بنفس خبيثة، ولعل بعضنا شاهد مقطع المدعو أحمد العمله - ويبدو أن له من اسمه نصيب - عندما تهجم على المملكة في حوار تلفزيوني مع شخصية إسرائيلية. وكان الأجدر به أن يعتز بدينه وعروبته وبكل بلد يقف إلى جانب بلده، ويعرف للمملكة فضلها، وأن يعكس أمام ذلك الصهيوني وحدة الدم العربي وأهمية الموقف العربي، بدل أن يُعطي انطباعاً أن أصحاب القضية لا يثقون بإخوانهم الخليجيين والعرب.
نعم ذاك الحاقد لا يمثل الفلسطينيين الشرفاء، الذين يعرفون دور المملكة ومواقفها التاريخية مع القضية الفلسطينية خلال مسيرتها الطويلة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود من يتخذ هذا الموقف الخسيس بين صفوف الفلسطينيين والعرب فالمتاجرون بالقضية كُثر. لكن صوت الحق أعلى من صوتهم؛ فالدعم السعودي للقضية الفلسطينية كان ومازال على مسارين (رسمي وشعبي)، وهما مساران متلازمان ترعاهما الدولة من منطلق واجبها الديني ومسؤولياتها العربية، وبحكم مكانتها الكبيرة في المنطقة. فلقد رضعنا حب فلسطين برعاية هذه الدولة العزيزة، وهي من سقانا هذا الحب عبر مؤسساتها الرسمية منذ الصغر. من خلال مناهجنا الدراسية، التي غرست فلسطين في قلوبنا محبةً، حتى كان التبرع لفلسطين من مصروفنا المدرسي يتم بكل صدق ومحبة وإخاء. وكذلك من خلال مساجدنا التي تختم خطبها الأسبوعية ودعاء قنوتها الموسمي بشكل مستمر بالدعوة للفلسطينيين، وأيضاً من خلال إعلامنا الحكومي قبل التجاري، بأنماطه المرئي والمسموع والمقروء، الذي خصص لفلسطين حيزاً مهماً في برامجه وأخباره وتقاريره، فضلاً عن حملات الإغاثة والدعم المتواصل.
بل لم تجعل المملكة فلسطين ورقة سياسية أو تستغلها في لعبة المحاور الإقليمية، وعندما وقعت أزمة الخليج بالعدوان الغاشم على الكويت من قبل نظام صدام عام 1990م كان لمنظمة التحرير الفلسطينية موقف صادم ضد الخليج وأهله، مع ذلك لم تتنكر المملكة للفلسطينيين، أو تتخلى عن قضيتهم أو تساوم عليها، بل كانت -كعادتها- أكبر من مواقف الخذلان، ونكران الجميل؛ لأنها كبيرة ولا تتعامل إلا بالقضايا الكبرى التي لا تسقطها المواقف السلبية. واليوم تتكرر هذه المواقف السلبية، سواءً من شخصيات أو منظمات فلسطينية، لكن المملكة تبقى شامخة لا تلتفت إلى نعيق الغربان؛ فهمها الشعب الفلسطيني، الذي يعرف قدر السعودية بالمنطقة، ويعي دورها التاريخي بالقضية، ويثق بدعمها لدولة فلسطين المنشودة، ولا تعنيه لعبة المحاور الإقليمية أو التجاذبات السياسية بقدر ما يبحث عن حل لقضيته يوفر له حياة كريمة كبقية شعوب المنطقة والعالم.