عندما نتأمل وسطية الأمة وتميزها كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ندرك أن الخطر الذي يحيط بعقول الشباب وأفكارهم؛ بل الأمة على وجه العموم يتجاذبه طرفان الأول: التطرف، ويقابله الانحلال، وكل منهما نتيجة للآخر وسبب له؛ ولهذا أكد خادم الحرمين الشريفين وفقه الله وسدده وجعل عمله في رضاه كما في خطابه خلال افتتاحه أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى «لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال».
هذا القول المتوازن من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ووفقه لهداه يدل على سعة فهم وقوة إدراك وعدل وحزم ؛ لأنه يدرك أن هذا البلد لا يمكن أن يقوم على غير الكتاب والسنة، وهذان المصدران فيهما النهي والزجر عن التطرف والانحلال والأمر بالتوسط والاعتدال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} آيات فيها نهي ووعيد، وتوجيه للطريق السديد.
وحينما ينبري مسؤول بقول جميل متزن فيقول (يظن بعض الجهلة أن الانحلال هو الحل لمحاربة التطرف، والمتطرفون يرون العكس) فإنه يدرك بهذا القول خطر التطرف والتطرف الآخر.
التطرف والانحلال وجهان لعملة واحدة وينبغي لكل مسؤول ومعلم وطالب علم أو داعية أو خطيب أو إعلامي وكل فرد من المجتمع أن يوازن بين ذلك وأن يدرك أن الكتاب والسنة مصدران لديننا الحنيف ومنهج لهذا البلد المبارك ولا مجال للفرقة أو التحزب إذا تمسكنا بهما وحاربنا كل مخالف لهما إفراطا أو تفريطا، والعقل والفكر سلامته بالوحيين والبعد عن الطرفين والتمسك بالوسطية، والأمة اليوم بحاجة للوحدة والاجتماع أكثر من ذي قبل، فلا يكن تعدد الآراء فيما يسع طريقا للاختلاف والشقاق؛ فإن الاختلاف فيه تشتيت لعقول الشباب والعامة وتأثيرا سلبيا على أفكارهم؛ فبقدر قربك من كتابك الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والدعوة إليهما والتجرد عن الأهواء تبلغ الإنصاف والعدل والحق وتحفظ قيم دينك الأصيلة {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية إلى طريقه المستقيم.