«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
فوجئت فوزية بخبر سار ينتظرها عندما جاءت لبيت أهلها، لقد قرر شقيقها فهد الزواج، فراحت تردد «ما شاء الله ما شاء الله.. معقولة وجد الزوجة بهذه السرعة. بشر ياحبيبي فهد من هي المحظوظة التي وقع اختيارك عليها؟». نظر إليها فهد لحظة ثم ابتسم وقال: إنها «نورة» بنت العم راشد صاحب أبوي الله يرحمه.. أكيد تذكرينه، جارنا قبل سنوات. تذكرتها.. كانت بنت حلوة.. وأضاف: أتمنى أنها لم تتزوج، وأرى أنها مناسبة لي.. ابتسمت فوزية بارتياح عميق بينما راحت تقول: لقد سمعت عنها أنها تخرجت من معهد المعلمات بتفوق، وعلى وشك أن يتم تعيينها معلمة، وسمعت أيضًا أنها شاطرة في لعبة «الشطرنج» التي تعلمتها من والدها.. وهذه اللعبة يقولون ما يلعبها إلا الأذكياء والذين لديهم صبر وجلد، وحسب ما سمعت أنها لعبة ليست مجرد لعبة تُلعب فقط، بل هي تحتاج إلى تفكير إستراتيجي وخطط تكتيكية.. واستطردت قائلة: ماذا عساك تفعل مع زوجة بهذا المستوى الفكري. لكن والحق يقال إن البنت جميلة وخرطها خراط البنات.. والذي أعرفه أيضًا أنه تقدم لها أكثر من شاب لكنها أحبت أن تكمل دراستها .. وإن شاء الله تكون من نصيبك فأنت أيضًا عاشق للعبة «الشطرنج». كاد فهد يطير من الفرح عندما سمع كلام شقيقته، فلم يتردد أن قام وقبَّل رأسها وقال: سبحان الله الذي ذكرني بها. ولا أخفي عليكم أن شعوراً داخلياً يشعرني بارتياح ممزوج بالاطمئنان أنها سوف تكون من نصيبي. والأيام تركض بسرعة كعادتها. وها هو بصحبة عمه إبراهيم في مجلس إبي راشد والد الفتاة «نورة» يتقدمان لخطبتها. لقد كبر والدها وصار شيخًا لكنه ما زال متماسكًا قويًا عكس عمه إبراهيم الذي جاء معه ممسكًا بعصاه. لقد رحب بهما كثيرًا. واحتسوا القهوة والشاي. وكانت الأجواء داخل المجلس حنونة ولطيفة لا تشوبها إلا صوت هواء «المكيف» الخفيف. وفهد يشعر بارتباك والقلق يدور داخله. استأذن منهم والدها ليأخذ رأي زوجته وابنته.. لم يتأخر كثيرًا لكن كانت الدقائق أشبه بالساعات. وعندما عاد كانت الابتسامة وعلامات الرضا مرسومة على ملامحه. بلع فهد ريقه وأحس براحة في نفسه وعمه الذي كان هو الآخر ينتظر ماذا سوف يقول لهما والد نورة. فجأة قال والدها وهو يبتسم بعدما راح يداعب حبات سبحته العقيقية. بالمبارك يا ولدي. منذ لحظة سماعهما لاسمك واسم «حمولتك» وأخبرتهم أن والدك كان صاحبي رحمه الله. فبدون تردد وافقا.. لا أوصيك ترى «نورة» بنتي الوحية والغالية احرص على إسعادها لأني وأثق بمشيئة الله أنها سوف تسعدك! أشرق وجه فهد وهو يقول: ثق تمامًا ياعمي أنها بتكون معي ومع الوالده كأنها في بيتكم...! فرحت الأم كثيرًا عندما عاد ابنها حاملاً البشارة بموافقة عمه الجديد «راشد» والد نورة .. وراحت «تزغرد» من الفرحة والابتهاج. واحتضنته وهي تمسح دموع الفرح بطرف حجابها. شغل فهد نفسه طوال ساعات النهار ببعض الأشياء التي يتطلبها حفل زواجه، وفي المساء حضرت شقيقته لتبارك لشقيقها فرحة الموافقة على خطوبته لنورة وتوافد على البيت بعض من أقاربهم وأرحامهم للتهاني والتبريك بهذا الحدث الأسري المهم. كان الكل يعيش لحظات الفرح بهذه المناسبة السعيدة.. وجميعهم عبروا عن غبطتهم وبهجتهم وسعادتهم. وظل طوال الليل سهران وهو يفكر في ليلة العمر وفي زوجته نورة تلك الطفلة ذات الضفيرتين. وراح يتصور أنها أمامه الآن وهي بكامل زينتها وبثوب النشل المطرز بالترتر وخيوط الزري الذهبية وأمامهما رقعة الشطرنج وهي تلاعبه بعدما اشترطت عليه في حال فوزها أن يأخذها للعمرة في شهر رمضان.. تنهد بعمق وقد شعر بسعادة فهل يتحقق حلم اليقظة وتفوز عليه «عاشقة الشطرنج» عروسته الحبيبة. تمنى ذلك فهو يتمنى أن يعتمر معها ليشكر الله أنه جمعهما كزوجين بعدما كانا جارين أيام الطفولة.