د. حمزة السالم
تمويل الشركات والمشاريع يقوم أساسًا في الاقتصاد المتعافي على الممولين لا على الملاك (أي حملة الأسهم والمؤسسين). وفي قانون عالم الأموال والتمويلات اليوم، تُعتبر الودائع والتمويلات والسندات مشاركة محدودة للملاك. وهذا التكييف فيه إيهام، فمحدودية المشاركة في الربح لا في الخسارة. فالممول ربحه محدود، فلا يزيد عن الفائدة المتفق عليها. ولكن خسارته غير محدودة، مثله مثل المُلاك الذين يتفوقون على الممولين بربح لا محدود. اللهم، إن خسارة الممولين تبدأ بعد خسارة الملاك. فلو خسر المشروع أو الشركة بالكامل، فإن حملة السندات والممولين يخسرون أموالهم بالكامل أيضًا.
وكذلك الودائع، فلو خسر البنك بالكامل، خسر المودعون أموالهم. وليس بصحيح بأنهم لا يخسرون عادة، وإلا لما تسابقت السيولة العالمية على السندات السلبية والصفرية في الأزمات. كالسندات الحكومية قصيرة الأجل الأمريكية أحيانًا والألمانية واليابانية غالبًا. كما أن هناك من الودائع ما فوائدها يصل إلى الصفر وأقل من الصفر أحيانًا في بعض الفترات. فهناك من البنوك من تأخذ أجورًا على الودائع ولا تعطي فوائد، وذلك لعلو درجة ائتمانية هذه البنوك. فالمودعون يلجؤون إليها في الأزمات المالية خوفًا من إفلاس البنوك والشركات. وهذا هو ما فعله الزبير رضي الله عنه. فقد استودع أموال المودعين، واستثمرها لنفسه، مقابل منح المودعين ضمان أموالهم، فما زكاها الزبير وما زكاها المودعون. وهذا مفهوم بالضرورة، فمن أين للمودعين زكاة أموالهم وهي عند الزبير، ومن أين للزبير زكاة المال وقد اشترى بها غابات وأراضي ومنازل.
والربح على قدر المخاطرة. فهناك سندات وودائع وتمويلات قد تصل فوائدها إلى عشرين وثلاثين بالمئة بسبب ارتفاع مخاطرة الإفلاس والخسارة، ومخاطرة تدهور قيمة صرف العملة. وبطاقات الإتمان مثال قريب للجميع، فهي تمثل ارتفاع الفوائد مقابل ارتفاع المخاطرة.
واللبس الحاصل اليوم في زكاة السندات والودائع، مرده ثلاثة أمور:
1. عدم تفريق الفتوى من قديم، بين الزكاة والربا في الأصناف الستة.
2. استمرار اعتماد القياس بالثمنية المطلقة، رغم ظهور بطلانها، وتناقضها، وعدم اطرادها في أصل ولا في فرع، مع نكران لوازمها.
3. هجر المجتمعات لنظام المقايضة بالسلع، وخاصة تقايض السلعة بنفس صنفها حتى أنكرته العقول في البيع، رغم أن أحاديث ربا البيوع كلها تدور حول هذا النوع من المقايضة وهو مبادلة المال بصنفه.
والأوراق المالية، كالأسهم والمشتقات والسندات والديون بمختلف أشكالها، ما هي إلا سلع مالية، تُباع وتُشرى كأي سلعة من السلع، فحكمها يُنظر فيه من جهة قابلية النماء، أي هل أنها تُنمى أم لا.
فالودائع لزمن لا يحتفظ بها البنك بل يعيد تمويلها لمن ينميها. والتمويلات تذهب لمن يستخدمها في بناء وصناعة واستهلاك، فهي إذًا تُنمى وتدخل في الدورة التنموية وتؤدي دورها في الاقتصاد، فهي في جانب البنك والممول وملاك السندات، أموال غير قابلة للتنمية.
فلا زكاة إذًا في أصولها، إنما في أرباحها،(ما لم يكن مضاربًا بها).
فبغياب المضاربة، فإن هذه الأوراق المالية كمزرعة الروبيان والطماطم واللؤلؤ وكالمصانع المنتجة ونحوها، هي أصول أموال غير قابلة للنماء، لأنها مشغولة بالإنماء. فزكاتها تجب في نتاجها بمجرد اكتسابه، إلا أن جبايته أو إخراجه واجب موسع إلى عام، ولا تسقط زكاة الناتج، بإعادة تنميته.
فالحول كما أتت به الآثار، شرط متعلق بالأداء والجباية والتكرار، لا باستحقاق وجوب الزكاة. بشاهد أن الجُباة يأتون لراعي تسع وثلاثين شاة فلا يأخذون منه شيئًا، فتلد الشاة حملاً، وهم منصرفون عنه، فيرجعون له فيأخذون منه شاة، وقد كان قبل لحظة لا زكاة عليه. فالزكاة تجب بمجرد تحقق السبب وهو النصاب. وهذا منطبق كذلك على زكاة كل ما يُصنف اليوم بعروض تجارة. فعروض التجارة تصنيف،-مع ضعف تأصيله الشرعي وضعف هيكلته-، قد أصبح عاجزًا اليوم عن مواكبة تطورات الأسواق الحديثة، والبسط في هذا، قد ضاق عنه مقال اليوم.