فضل بن سعد البوعينين
ركَّزت رؤية المملكة 2030 بشكل واضح على القطاع غير الربحي بهدف تعزيزه، والارتقاء بمخرجاته، وتفعيل دوره إلى جانب القطاعَيْن العام والخاص. وبالرغم من إسهاماته المحدودة في الناتج الإجمالي المحلي التي لا تتجاوز 0.3 % إلا أن نسبة نموه تتجاوز نسبة نمو القطاعات الأخرى؛ وهو أمر يبعث على التفاؤل بإمكانية تحقيق هدف رفع إسهاماته في الناتج المحلي لتصل إلى 5 % بحلول العام 2030. هدف طموح تم ضبطه ببرامج محددة، وجهود حكومية حثيثة لتجهيز البنية التحتية الحاضنة والداعمة للقطاع، ومعالجة المعوقات التي تسببت في الحد من نموه خلال العقود الماضية.
لم يقتصر العمل على تحقيق أهداف رؤية 2030 ذات العلاقة بالقطاع غير الربحي على الوزارات والهيئات الحكومية، بل ارتبط أيضًا ببعض المؤسسات المجتمعية التي حملت لواء المبادرات البحثية والتنفيذية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والإنسانية.
مؤسسة الملك خالد الخيرية من أكثر المؤسسات الفاعلة في الدراسات البحثية والبرامج التنفيذية النوعية المرتبطة بالقطاع غير الربحي. لا يقتصر دورها الريادي على البرامج المجتمعية المتخصصة والسخية، بل يتجاوزه لتعزيز العمل المجتمعي على أسس مؤسسية داعمة لنشر ثقافة العمل الخيري، ودعم المبادرات المجتمعية والمؤسسات الخيرية في المملكة من خلال جوائزها القيمة التي يشرفها ويرعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. إضافة إلى ذلك، فنشاطها البحثي أسهم في رفد القطاع غير الربحي بدراسات عميقة وموثوقة وفق رؤية شمولية، هدفها تطوير القطاع، والارتقاء بخدماته، والمشاركة في الجهود الحكومية الرامية لتحقيق أهداف رؤية 2030.
«آفاق القطاع غير الربحي 2018» من الإصدارات المهمة لمؤسسة الملك خالد الخيرية، وفيه رصد لاتجاهات القطاع في عدد من المؤشرات الإحصائية المتعلقة بـ»مواضيع العطاء والتطوع والأثر الاجتماعي وحجم وخصائص المنظمات غير الربحية، والدور الاقتصادي والتنموي للقطاع». إحصائيات متنوعة ومهمة، يمكن من خلالها قراءة توجهات القطاع. وبالرغم من أهمية البيانات الإحصائية والمؤشرات التي تضمنها التقرير إلا أن المؤسسة، وبمهنية عالية، تشدد على أهمية البيانات التفصيلية «الموثوقة» التي ستصدر عن الهيئة العامة للإحصاء، وتطمح إلى الإسهام في النقاش العالمي الهادف إلى تحسين جودة البيانات والإحصاءات الخاصة بالقطاع غير الربحي من خلال شراكاتها الدولية، وخلق تعاون وثيق بين منظمات الإحصاء الوطني الرسمية والقطاع غير الربحي.
أسهم تقرير «آفاق القطاع غير الربحي» في وضع بيانات القطاع المهمة أمام المختصين بآلية عرض جميلة ومبسطة؛ تعين الباحثين والمراقبين والعاملين على تعزيز دوره الخدمي، إضافة إلى التوصيات العشر التي خلص لها التقرير. ولعلي أشير إلى توصيتين مهمتين، هما: «اعتماد تعريف إجرائي لكل من منظمات القطاع غير الربحي والتطوع في المملكة»، وتوصية «تخصيص برنامج تنفيذي لرؤية المملكة 2030 لتعظيم أثره، وإنشاء هيئة لتنمية القطاع». لا يمكن تحقيق النجاح في أي مشروع أو برنامج بمعزل عن الجهاز التنفيذي القادر على تحويل الرؤى والاستراتيجيات إلى واقع معاش. كما أن غياب المرجعية المسؤولة والقوية قد يحد من النتائج المرجوة، ويبطئ في تحقيقها.
أؤكد أهمية الرؤية الداخلية للمؤسسات غير الربحية للوزارات المعنية والقائمين على برامج تطوير القطاع، بوصفها رأيًا مستقلاً عن فريق التطوير، تم تشكيله من خلال دراسات موسعة، ومتابعات دقيقة وموثوقة، وبُنيت على أرضية واسعة من الخبرات الميدانية التي لا تتوافر للمنظرين.
أختم بتأكيد كفاءة مؤسسة الملك خالد الخيرية، ودورها الريادي في العمل الخيري، والدراسات المجتمعية العميقة الهادفة لتطوير القطاع، وتعزيز دور مؤسساته، والإسهام الفاعل في تحقيق أهداف رؤية 2030 المرتبطة بالقطاع غير الربحي. قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُ وهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.