د. فوزية البكر
لعل (ريال فلسطين) هي العبارة الأشهر في أيام دراستنا حيث كانت تسمع (بضم التاء) في الإذاعة المدرسية وفي حصص التاريخ والجغرافيا، ورغم أن أحوال الناس كانت عادية وكان الريال يعني شيئًا لكن فلسطين بالنسبة لنا كانت ولا تزال قضية قومية ووطنية يحملها كل سعودي وسعودية في قلبه ويقدمها على احتياجاته، وكنت دائمًا أفكر وأنا في الابتدائي (ربما ثالث أو رابع) هل أشتري ساندوتش الفلافل والذي كان ربما (إذا لم تخني الذاكرة) بأربع قروش أم أجمعها للوصول لريال فلسطين، وكان ذلك يعني التنازل عن حوالي خمسة ساندوتشات في ذلك الأسبوع! (الريال عشرون قرشاً).
أكتب هذا الآن ليعرف العالم الخارجي بعضًا من تفاصيل الداخل السعودي الذي لم نعتنِ بنشره بين الناس ولم نصرخ في كل الأنحاء للإعلان عن المساعدات التي قدمناها والدعم اللامحدود للقضية (وهي واجب علينا لأخوتنا الفلسطينين وليس منة)، وهو ما زرع في مخيلتنا الشعبي السعودي عمق القضية الفلسطينة باعتبارها قضية الأمة العربية جمعاء. غزة اليوم تدفع الثمن: وهو ثمن غالٍ وصعب، فهي المحاصرة بريًا وبحريًا وجويًا بإسرائيل، وهذا يعني أن لا فلسطيني من بين المليونين من سكانها الذين يعيشون في محيط ضيق لا يتجاوز 365 كيلو متر مربع وبكثافة سكانية هي الأعلى في العالم يستطيع أن يتحرك في أي اتجاه دون علم أو إذن السلطة العبرية، كما أن أي فلسطيني يجرؤ أو يحاول الاقتراب من الجدار الرهيب العازل بين الدولة العبرية وفلسطين المحتلة في حدود 300 متر معرض للقتل مباشرة.
وهاهم أكثر من 65 شابًا فلسطينًا قتلتهم إسرائيل بدم بارد لاعتراضهم على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إضافة إلى مئات الجرحى والمصابين.
تتوجع غزة بمكواة البطالة يوميًا ففيها أعلى نسب البطالة في العالم والتي تتجاوز 44% من سكانها وهو رقم مخيف ويعني أن من بين كل مائة من سكانها هناك أكثر من 45 شخصاً عاطلون رغم بحثهم عن العمل. مياه الحنفيات في غزة لا يمكن شربه ومياه المجاري تجري في طرقاتها لعدم وجود نظم تصريف صحية، ويبقى عمالها شهورًا دون أجور شهرية! وبالطبع تعاني الخدمات كافة فيها من كهرباء وخدمات صحية وتعليمية من حصار دائم بسبب إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية.
كيف نشعر نحن الخليجيون تجاه ما تفعله الدولة العبرية المارقة؟ نفعل ما نفعله دائماً: بالتوجه للمؤثرين في المنطقة وبالدعم للقيادة الفلسطينية الرشيدة التي يجب أن تتعامل مع المتغيرات التاريخية كما يجب لتحاول حماية العزل من سكانها من دفع الفاتورة اليومية القاتمة للحياة في ظل الاحتلال مع رفض كل أشكال التدخلات الخارجية وتحديدًا من دولة الملالي الدينية: إيران أو من عملائها في حزب الله والذين يتفننون في زرع الفوضى أينما كانوا أو من غيرهم من الباحثين عن أدوار تاريخية مجيدة على حساب الشعب الفلسطيني.
الفسطينيون -بلا شك- ضحايا للتعنت اليهودي ورفض رؤساء الكيان الصهيوني وعلى رأسهم نتنياهو فكرة الدولة الفسطينية والاستمرار في بناء المستوطنات على الأراضي المحتلة رغم عدم شرعيتها حسب القوانين الدولية، لكن الذنب الذي يدفعه المواطن الفلسطيني يعود في جزء منه أيضًا إلى سوء إدارة الملف الفسطيني نفسه من قبل الفسطينين أنفسهم وعدم قدرتهم على فهم العقلية الغربية والتعامل معها بلغتها هي لا بلغتهم وخلفياتهم وصراعاتهم خاصة الولايات المتحدة التي تقدم الدعم اللامحدود لبقاء وحماية إسرائيل. الفساد وصراع السلطة والتعاون مع دولة الملالي التي كانت ومنذ إقامتها تبحث عن دور الطاغية المستبد في منطقة الشرق الأوسط أكل حصاد فلسطين ودمر تدريجيًا ما يقدمه الأشقاء العرب لمحبوبتهم المغتصبة. وليتذكر الفلسطينيون أن كل دولة عربية لديها شعب ترعاه وأجيال شابة تبحث عن حياة شريفة لهم واقتصادات صعبة في ظل منظومة أقصادية عالمية هشة قابلة للانفجار في أي لحظة. ومع ذلك ستبقى المملكة العربية السعودية دائمًا وأبدًا خير داعم للقضية إذا ما أنهى الفسطينون الصراع والفساد بينهم وركزوا على الداخل الفسطيني لإنهاء خلافاتهم بدل تنفيذ أجندات الملالي في إيران التي دمرت إجزاء كبيرة من العالم العربي.
لن يصلح الشأن الفلسطيني سوى الفلسطينيين أنفسهم أولاً وأخيرًا وحين يتم التركيز على المصلحة العليا المستقبلية للأجيال الفسلطينية القادمة والجلوس على طاولة المفاوضات لبناء الدولة الفسطينة المنشودة (وهو الشرط الذي يجب إرغام الدولة العبرية على قبوله لوضع أسس السلام في العالم). فالسعودية هي الداعم الرئيس وستكون دائمًا وأبدًا من أجل قيام الدولة الفلسطينة المنتظرة.