محمد سليمان العنقري
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران ضرب الاقتصاد الإيراني في مقتل حتى قبل بدء عودة العقوبات التي قال وزير خارجية أمريكا إنها لن تكون مسبوقة بالتاريخ من شدتها وبدأت بالفعل الكثير من الشركات التي فتحت خطوط علاقة وتوجه لإقامة مشاريع في إيران بالانسحاب مثل شركة توتال الفرنسية أحد عمالقة صناعة النفط عالمياً ولا يبدو أن أي خطط لتحجيم تأثيرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية سيمكن تجاوزها أو استيعابها هذه المرة رغم خبرة إيران بالتحايل على العقوبات سابقًا.
فهذه العودة للعقوبات سيكون تأثيرها بالغًا جدًا في حال لم تقبل إيران بشروط إدارة الرئيس الأمريكي ترمب لاتفاق جديد لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي نهائيًا، أما أسباب حدة أثر العقوبات فهي تتمثل في واقع الاقتصاد الإيراني الذي بات بحاجة كبيرة لعودة الاستقرار له نتيجة اشتعال التضخم فيه وانهيار العملة الإيرانية التي تخطت 60 ألف ريال إيراني مقابل كل دولار رغم تثبيت سعر الصرف عند 42 ألفاً إضافة لتفاقم مشكلة البطالة وعدم القدرة على إيجاد حلول لها إلا من خلال ضخ استثمارات أجنبية والتحول من اقتصاد أزمات إلى ما هو أكثر استدامة، فالبطالة تبلغ نسبتها الرسمية 15 في المائة لكن تقارير إيرانية داخلية تقول إن نسبتها فعليًا 55 في المائة مبررين ارتفاع الرقم بتخلي الكثير من الموظفين عن وظائفهم لأن دخلها لا يكفي تكاليف الحياة لعدة أيام قليلة وبالمقابل اتجهوا لأعمال حرة وبذلك ليس لديهم أعمال ذات دخل ثابت ومستدام.
ويبدو أن حكومة طهران إلى الآن تتمسك بمشروعها التخريبي إِذ لم يكن ردها حتى على الأوروبيين الذين ما زالوا متمسكين بالاتفاق النووي معها إيجابيًا حيث أبلغوها بأن الاتفاق ليس مثاليًا وفيه ثغرات عديدة في محاولة منهم لترميم الاتفاق والحفاظ عليه كي يقنعوا أمريكا بعدم عودة العقوبات من طرفها على إيران مجددًا لأنهم يعلمون ألا نجاح للاتفاق دون أمريكا وأن الشركات الأوروبية لن تغامر بأي علاقة مع إيران عند عودة العقوبات الأمريكية التي ستطول أي شركة تتعامل مع إيران إِذ قال وزير خارجية أمريكا للأوروبيين صراحة «الشركات التي ستتعامل مع إيران ستتحمل مسؤولية ذلك».
إيران أصبحت في مأزق كبير فقبول الشروط الأمريكية تعني نهاية مشروعها السياسي بتصدير الفتن والدمار لدول المنطقة ورفضها يعني انهيارًا اقتصاديًا بسبب زيادة العجز والتضخم الجامح وارتفاع البطالة الذي سيؤدي لزعزعة استقرارها الداخلي حيث شهدت احتجاجات شعبية ببداية العام بسبب تردي الوضع الاقتصادي فالإيرانيون كانوا ينتظرون بفارغ الصبر رفع العقوبات لتحسن مستوى معيشتهم التي إن عادت ستزيد من تراجع الاقتصاد أكثر من السابق مع خسائر لاستثمارات هائلة كانت تنتظرها إيران بقطاع النفط والغاز والبنى التحتية تقدر بنحو 800 مليار دولار وتمثل الأمل بعودة الحياة لاقتصادها والحفاظ على الاستقرار الداخلي الهش حاليًا.