د.فوزية أبو خالد
مع اعتزازي الجم بالتزامي الكتابة في جريدة الجزيرة إلا أنه تأتيني بين حين وآخر عروض بالكتابة هنا أو هناك من صحف الداخل أو الخارج فأجد في نفسي عزوفا عن قبولها، على الرغم من معاناتي ككل كتاب الصحف المحلية من وطأة الرقابة التي تبدو وكأنها متلازمة صحفنا وعلى الرغم أيضا عما عرفت به سابقا من قبولي بالنشر في صحف عربية بجانب صحفنا المحلية بحكم أن ذلك يعطي الكاتب أفقا أبعد ويعطي للكتابة عمقا عربيا ويتيح أطيافا متعددة من القراء. فكتبت في مجلة العربي قديما وفي اليوم السابع وفي كلمات البحرينية و بجريدة الوطن الكويتية، وجريدة القدس.كما كنت من أوائل الكاتبات والكتاب السعوديين الذين كتبوا في صفحة الرأي بجريدة الحياة يوم لم يكن للكتاب السعوديين مكان فيها إلا بشق الأنفس وباستثناءات قليلة. وإذا استثنينا أن تعلقي بجريدة الجزيرة يعود لمهنية الماسترو رئيس التحرير وطاقم الزملاء الأعزاء رغم مانمر به من شد وجذب الإجازة والمنع، فإن هذا يقودني لبعض أسئلة هذا المقال ومنها التالي:
هل هناك اختيار بين أن يكتب الكاتب بصوته في صحف غير محلية وبين أن يكتب ببعض من صوته في صحف بلاده؟
وهل هناك سبب منطقي يجعل الصحف السعودية أو الممولة سعوديا الصادرة بالخارج أو بنسختين للداخل والخارج أوسع صدرا على كتابة الرأي من الصحف المحلية، نتيجة طبعا لتسامح الرقيب النسبي مع الأولى وتشدده مع الثانية؟
وهل هناك كاتب يختار الكتابة في صحف غير صحف وطنه إذا كانت الأولوية فيما يكتب وفيما يطرح من موضوعات هي للقضايا الوطنية المحلية، حيث يصبح من متلازمة ذلك أن يكون القارئ الأول المنشود هو مواطن بلده شخصيا من القمة إلى القاع خاصة في المجتمعات التي يكون تراتبها تراتب الهرم لا تراتب الماسة؟
ليست مثل هذه الأسئلة في وارد جميع الكُتاب على أية حال ولكنه نوع من تعذيب الذات الذي لا بد أن يراود كل كاتب من آن لآخر بقلق الضمير على أمانة الكلمة التي لابد وأن يحدث ما يضطر الكاتب إن لم يكن لخيانتها فعلى الأقل لعدم تأديتها كما يجب، حيث يرتفع منسوب هذا القلق ويطير النوم من عيون الكاتب خاصة في اللحظات التي يكون في الحنجرة ماء أو لايكون فيها هواء كاف ليقول ما يحتمه عليه الضمير. وقد يكون ذلك إما لجهة المنع من طرح الأسئلة اللازمة على ما يجري أمامه أو لجهة العجز عن استيعاب الكاتب نفسه للحدث. بما تتعسر معه عملية التوصيل لمحاولاته التحليلية لقراءة الواقع من زوايا مختلفة. وبما يضطر الكاتب معه للتفكير في بدائل أشدها مرارة الكتابة إما في صحف خارجية لا يهمها أمر ما يكتب أو في صحف محلية مضطرة بين الفينة والأخرى لمصادرة ما يكتب، أما أحلاها فإن يدرك وطنه وقياداته أن طرح الأسئلة بل وحتى المساءلة والنقد في قضايا التحول والاستقرار على صعيد الدولة والمجتمع هي ضرورة ملحة لمواجهة التحديات. وفي هذه الحالة فإن المطلب الذي لابد منه لتقدم الأوطان هو أن تعطى كتابة الرأي بما فيها الرأي النقدي مجالا مثلها مثل الخطاب الرسمي وخطاباته المفسرة، بشرط وحيد هو الموضوعية والتزام أمانة الكلمة والحفاظ على شرفها في الاتفاق وفي الاختلاف مع التيار المجتمعي العام.
****
والواقع أن الحديث أعلاه ليس إلا جزءا من الموضوع الذي أرومه في هذا المقال بما أحاول التعبير عنه على صعوبته في بعض الأسئلة التالية وما يليها من قول.
هل من ضرورة اليوم للرقابة على الصحافة - رئيس التحرير ينفي وجود رقابة عليها- إذا كنا نريد فعلا أن نكون ندا للعالم في حضور حضاري على المنصة الدولية وهل لا تدعو للتشكيك في مصداقية تحولاتنا إذا نحن تجاهلنا واحدة من أهم مقاييس الجدية في التطوير والتغير الإيجابي هو مقياس الشفافية ومن أبرز مقاييسها حرية التعبير وتقبل النقد. هذا الإضافة لسؤال اللحظة التكنولوجية الراهنة وهو سؤال، هل من جدوى اليوم للرقابة على الصحافة وأخبار العالم وأحداثه الكبيرة والصغيرة بل وردات الفعل عليها تنقل في نفس لحظة وقوعها وتعمم على منصات العالم الإلكترونية من أقصاه لأقصاه.
فما العبرة اليوم لاستمرار تضييق الخناق على ما يكتب في الصحف أمام هذا الخضم الواسع الشاسع من سيل الكتابات الإلكترونية السريعة والحيوية، إلا إذا أردنا أن ينفض سامر كتابات الرأي التحليلية في الصحافة ومعه ينفض سامر صحافة الرأي إلى الأبد. فكما أن دور أساتذة الجامعات اليوم وأستاذاتها صار ليس في نقل المعلومة لأن المعلومات متاحة للطلاب وفي متناول أيديهم مثل الأساتذة وأكثر، بل في عقلنة سيل المعلومات وفهمها وتحليلها ووضعها في سياقها المعرفي والميداني، فإن دور الصحف بالمثل صار يتطلب تجاوز الاعتماد على نقل الخبر إلى دور أبعد و أعمق وأصعب. وهذا ما يعلي من شأن دور الصحافة في التأطير والفهم والمساءلة والتحليل،وهو ما يجعل من مادة كتابة الرأي ومادة التحقيقات الصحفية الميدانية المقرونة أيضا بقراءات الرأي لها هي حبل الحياة للصحف اليوم عالميا ومثلها محليا أن أرادت البقاء على قيد القراءة.