فوزية الجار الله
**** (1) ****
يأتي رمضان جميلاً هادئًا رغم عواصف التغيير التي تجتاح العالم.. يأتي كرداء حريري أبيض، ينثني حولك، كضوء آسر ساحر، يتسرب إلى أعماق الروح. ثمة أجنحة ملائكية خفية تحلق حولك كلما اعتزلت الأصوات النشاز والدروب الموحلة، واستغرقت في تأملاتك.. يأتي رمضان وتأتي الذكريات الجميلة التي لا تملك منها خلاصًا، بل على الأصح تستمتع باستعادتها.. في طفولتك زمن مختلف، تلمس فيه لسعة الجوع التي أيقظت فيك إحساسًا أقوى وأعمق، يحرضك على تقدير أقوى لنعم الله. أوقات الفراغ الطويلة التي تدفعك للتأمل والبحث رغم طفولتك التي تحاول دفع نوبات الملل فيها ببعض الأفكار الجديدة.. ربما تبدأ بقص الصور المتنوعة ما بين الوجوه والمشاهد الطبيعية، وإلصاقها في الدفتر الصغير الذي أعددته لذلك، ثم حين تكبر قليلاً تعي جيدًا أن ليس أبناء البشر جميعًا قد عاشوا ما بين الحبر والورق والصور المختلسة، وعليك أن تطور أدوات أخرى لفهم هذا العالم المختلف.
**** (2) ****
كان الوقت - ولا يزال - يمثل ثروة عظيمة استثنائية، لا بديل لها؛ فالدقيقة التي تمضي لا تعود، وفي رمضان تدرك هذه الحقيقة جيدًا. أمامك فقط ثلاثون يومًا (وحين يكون هذا المقال بين أيديكم أعزائي القراء يكون قد مضى منه سبعة أيام تقريبًا)؛ لذا إن كنت يقظًا واعيًا فسوف تحاول جاهدًا استبعاد الكثير من الملهيات الهامشية العابرة التي تسرق الوقت، وتشتت الذهن.. ويمثل جهاز التلفزيون اليوم عبر قنواته الفضائية أكبر سارق للوقت.. فقط انظر إلى ذلك الكم الهائل من المسلسلات العربية التي تتضمن كمًّا هائلاً من الإعلانات المكررة التي تفوق مدة البرنامج أو المسلسل التلفزيوني.. هذا فقط لا بد أن يحرضك على أن تكون انتقائيًّا في مشاهداتك، وأنت وحدك القادر على تنظيم جدول يومك.
**** (3) ****
رمضان زمن القراءة المكثفة.. أقول ذلك وأصعد الدعوات بأن يمنحنا الله وعيًا وحكمة للاستفادة من لحظاته بما يفيد. بدأت منذ فترة بقراءة كتاب بعنوان «اللغة العربية في إسرائيل: سياقات وتحديات» من تأليف محمد أمارة/ الطبعة الأولى 2010م.
لم أنتهِ بعد من الكتاب، لكن لفتت انتباهي هذه الفقرة:
«رغم التحديات الجسام إلا أن العربية نابضة في كل مكان من الوطن العربي؛ فهي المؤشر الأول للهوية القومية للدول العربية من جهة، وهي اللغة الرسمية الوحيدة في معظم الدول العربية. فجميع الدول العربية تمنح اللغة العربية المكانة العليا على الرغم من التحديث والاقتراض اللغوي. وقد تم توحيد الدول العربية من خلال اللغة؛ فتأسيس الجامعة العربية في عام 1945 يثبت أن اللغة ما زالت مؤشرًا قوميًّا وثقافيًّا مهمًّا للدول العربية، رغم ما يعتريها من ضعف سياسي..».
وأتساءل: أين جامعة الدول العربية اليوم؟ ألا تزال قائمة؟ وما هو مستقبلها؟ آمل أن تعاكس الأحداث توقعاتي، وتنهض يومًا من عثرتها، ونراها في مقدمة الكيانات الفاعلة والمؤثرة.