القدوة هي عبارة عن ذلكم الشخص والمثال الأعلى الذي يُقتدى به، والنموذج المثالي في تصرّفاته وأفعاله وسلوكه؛ إذ يُطابق قوله عمله، ويُصدّقه؛ ويكون القدوة بالنسبة لأتباعه ومعارفه، ومثالاً سامياً وراقياً؛ فيعملون على تقليده، وتطبيق نهجه، والحذو حذوه، وينبع تقليدهم إياه من الإرادة والقناعة الشخصيّة للمقتدي، لا بالضغط الخارجي أو الإلزام من جهة القدوة بذلك. والهدف من اتباع القدوة الرقي لأعلى مستوى من الأخلاق، والتعامل والعلم والأخلاق. ولقد أكرم الله سبحانه وتعالى البعض من الناس بخدمة أمتهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، ومنحهم الله تعالى حب الخير، والعمل لله تعالى أولاً, ثم لصالح الآخرين من أبناء مجتمعاتهم, خاصة ممن صعبت حياته، وقلَّت فرصه في هذه الحياة الصعبة.. فنجد عددًا من الناس وهبهم الباري - عز وجل - خصلة إنكار الذات، ونسيان النفس في سبيل حب جلب الخير للآخرين.. وكما ورد في الحديث النبوي الشريف «خير الناس أنفعهم للناس». وبلادنا - حفظها الله، وأدام عليها نعمة الأمن والاستقرار تحت القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - تحاول جاهدة الدفع بالمواطن السعودي للمبادرات الخيّرة التي تنفع المجتمع والوطن؛ إذ يعتبر النشاط الخيري والتطوعي مساراً مهماً لقياس نمو وتطور أي مجتمع من المجتمعات.. خاصة إذا ما عرفنا أنه - للأسف الشديد - تمتاز المجتمعات المعاصرة حاليًا بالمادية البحتة، واللهث المحموم وراء المادة في سباق محموم. وفي خضم هذا المعترك نرى أمثلة رائعة وراقية، تعلمنا أن الدنيا ما زالت بخير، وأن الخيرية في هذه الأمة باقية؛ فنرى في مجتمعنا المادي المعاصر عناصر تدلنا على الخير، وعلى الأخلاق والمثالية الراقية، وأن هذا المجتمع ما زال ينتج نماذج وطنية رائعة وشامخة، يحتذى بها.. والنماذج الرائعة الباذلة والسخية التي آثرت ما عند الله على طمع النفس وشحها كثيرة - ولله الحمد - في مجتمعنا.
وقد سخَّر الله أناساً، سعادتهم وفرحتهم تكمن في إسعاد الآخرين من فقير أو مسكين أو محتاج.. وعندما نؤطر العمل الخيري والتطوعي؛ ليكون عملاً تطوعياً خيرياً مؤسسياً بعيداً كل البُعد عن العشوائية والانتقائية؛ ليعم نفعه وفائدته أكبر شريحة من المجتمع المراد خدمته لأطول وقت ممكن، فهذا - وربي - لهو الخير كله.
وبلادنا تزخر - ولله الحمد - بالعديد من هذه القدوات والمنارات الشاهقة، والرموز الشاخصة في العمل الخيري والتطوعي التي ترتب عليها إنكار الذات والأطماع النفسية الإنسانية التي كما ذكر ربنا - عز وجل - أنه من الخصائص الإنسانية، مثل حب المال وحب النفس وحب الشهرة وحب الجاه.. وغيرها.
وعندما يُذكر رمز من الرموز فهو يُذكر للعلم وللقدوة للآخرين؛ كي يُحتذى به.
ومقالي هذا عن قدوة ورمز من رموز هذا المجتمع الطيب المبارك، الذي عرف حق وطنه وولاة أمره وأهله وأبناء مجتمعه؛ فجرى حب الخير والعطاء والبذل أسرع مما يجري الدم في عروقه.. إنه معالي الشيخ عبدالله بن علي النعيم - حفظه الله، وأدام عليه لباس الصحة والعافية -. فالشيخ عبدالله العلي النعيم لم يعرف عنه قطعاً أنه من أرباب التجارة والمال, ولكن عُرف عنه حب الخير والعمل التطوعي والخيري. فللشيخ عبدالله النعيم عدد من المبادرات الخيّرة، هذا طبعًا غير الأعمال الرسمية التي أنيطت به، وقام بها خير قيام منذ أن عمل أميناً لجامعة الملك سعود، إلى عمله في الملحقية التعليمية في لندن، إلى إدارة شركة الغاز والتصنيع الأهلية بالرياض؛ لينتقل بعدها لأمانة مدينة الرياض (العاصمة الحبيبة لبلادنا أدام الله عليها العزة والمنعة).. التي يتغنى بحبها معالي الشيخ عبدالله النعيم كل صباح ومساء. وبعد تقاعده من العمل الرسمي اتجه للعمل التطوعي الخيري بكل جهده وقوته وفكره وتخطيطه؛ ليرسم للأجيال أن العمل الخيري والتطوعي لا تحده حدود، ولا تمنعه قيود، وليعلم الأجيال أن التقاعد ما هو إلا مرحلة لتركيز العمل، والانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة وكل تفاؤل.
وهنا ركز معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم على العمل التطوعي المؤسسي.. فمن تأسيس مركز الملك سلمان الاجتماعي بالرياض الذي يعد - بحق - نقطة مضيئة، وشعلة في سماء العمل الخيري التطوعي في وطننا الغالي، والذي يخدم جميع شرائح المجتمع رجالاً ونساءً, للجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة التي تقف شامخة، تعلم الأجيال أن حق الأستاذ على طلابه كبير وعظيم.. فلقد بادر معالي الشيخ، ومعه عدد من طلاب المعلم والمربي الفاضل المرحوم الشيخ صالح بن صالح، لتأسيس مؤسسة نادرة المثيل؛ لتُبقي اسم معلمهم حاضراً، تعرفه الأجيال من شباب الوطن. ثم ها هو معالي الشيخ عبدالله النعيم يخطو خطوة أخرى في هذا المجال التطوعي والخيري، هي تأسيس صرح عملاق ورائد توأم لمركز صالح بن صالح، هو مركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل الاجتماعي بعنيزة الخاص بالمرأة بكل خصوصية، الذي يحتوي على عدد من الأقسام المهمة والحيوية، مثل: الإرشاد الأسري، والضيافة، والمكتبة، والتدريب.. وغيرها.
ومما لا شك فيه أن الناس في مجتمعنا الطيب والمبارك تبحث عن مبادرات رائعة وراقية لتدعمها ماديًّا ومعنويًّا.. ومعالي الشيخ بادر وخطط ونفَّذ؛ ومن ثم دعمه الكثير من أبناء المجتمع، لكن المهم المبادرة كانت له، ولفكره الراقي والنير والإبداعي. فكم من فكرة رائدة ورائعة انتظرت طويلاً لمبادرة مثل مبادرات الشيخ عبد الله النعيم؛ ليجعلها واقعًا بعدما كانت أمنية.
وعند مطالعة بسيطة لسيرة العَلم عبد الله النعيم نلاحظ بوضوح تأصُّل فكر التطوع وعمل الخير الذي أعطاه لأولاده؛ لأنهم ببساطة تربوا منذ نعومة أظفارهم على مشاهدة العمل الخيري الذي يتمثل شاخصاً، ويمثل طموحاً وهدفاً لوالدهم أبي علي. وكذلك من والدتهم الحنون أم علي السيدة الفاضلة حصة الصالح الراجحي - حفظها الله وأمدها بالصحة والعافية -؛ فقد كانت نِعم العون والنصير والملهم لشيخنا الفاضل وأسرته الكريمة.
فهذه ابنة معالي الشيخ عبد الله الأستاذة الجامعية والمؤرخة المعروفة البروفيسور نورة قامت مؤخراً مع كريمتَيها لمياء ونجلاء ببناء مدرسة حكومية للبنين في أحد أحياء عنيزة؛ لتحمل اسم زوجها ووالد ابنتَيها الراحل الأستاذ صالح العبد الله النعيم - رحمه الله - لتخلد ذكراه، ولتكون - بإذن الله - علماً ينتفع به إلى قيام الساعة, وكذلك لتكون نبراساً للآخرين، وقدوةً لهم بأن العمل الخيري لا تحده حدود، وليس مرتبطاً بالدعم الحكومي فقط.
وهذه ابنته الأستاذة الدكتورة لولوة - وهي بروفيسور في طب النساء والولادة، ومن أمهر الطبيبات السعوديات، ولم يعرف عنها الثراء غير راتب العمل الذي تتقاضاه من عرق جبينها، وتعبها، وسهرها لمعالجة مريضة أو سقيمة - تبني مدرسة باسمها في حي شعبي في مسقط رأسها عنيزة؛ ليعطى بعد تشييده لإدارة التربية والتعليم. ولو رغبت لبنت مدرسة خاصة أهلية للتعليم المدفوع، ولكن الطيبة والبذل وإنكار الذات ورثتها من والدها الشيخ ووالدتها؛ فأسست مدرسة حكومية، كلفتها أكثر من مليون ونصف المليون، جمعتها من راتبها ريالاً ريالاً. ثم مؤخراً ها هي الدكتورة لولوة، وبدافع الوراثة التي فرضت عليها العطاء والبذل والإيثار، قامت مؤخراً ببناء مستوصف في حي شعبي كذلك في مسقط رأسها عنيزة، وأُعطي لوزارة الصحة؛ كي يخدم سكان الحي، وهو يعمل حالياً بعدما تم استلامه بطريقة رسمية من وزارة الصحة. وهذا يؤكد نظرية الوراثة في الطيب والكرم والبذل والإيثار لدى هذه الأسرة الكريمة.
ويتكرر المشهد المثالي مرة تلو مرة بأن تقوم منال ابنة معالي الشيخ الصغرى بتأسيس روضة أطفال بمحافظتها الوادعة عنيزة؛ لتخدم جمهور أهلها. هذه الروضة كلفتها أكثر من مليونَي ريال.
عندما ننظر لهذا المشهد المثالي، ولتلك الروعة المتناهية في البذل والعطاء وإنكار الذات في سبيل إسعاد الآخرين، نعرف تماماً قدر قيمة الإنسان المعطي الباذل، والعامل للخير، والدال عليه.
كذلك نلاحظ ملاحظة مهمة، هي أن جميع مشاريع معالي الشيخ عبد الله النعيم وأولاده وأسرته الكريمة تندرج تحت ما يسمى اليوم بـ»التنمية البشرية» التي من أهم مرتكزاتها التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والثقافية.. وهذا ما تدور حوله جميع المشاريع التنموية الخيرية التي قام ويقوم بها معالي الشيخ وأسرته الكريمة.
كم نحن محتاجون فعلاً إلى أن نستلهم الدروس والعبر من أمثلة حية وواقعية أمثال هذه الشجرة الطيبة التي تنفع الناس بثمرها ومنظرها وظلها.. وكم نحتاج لنتعلم أن الحياة والمجتمع والوطن كله ما زال ينتج نماذج تحتذى بها، وأن مجتمعنا بهذه النماذج ما زال بخير والحمد لله. وكم نحتاج فعلاً لمثل هذه النماذج النادرة.
ولا شك في أن عنيزة الفيحاء جاءت غالبية مشاريع معالي الشيخ عبد الله النعيم وأسرته الكريمة الخيرية فيها؛ إذ إنها مسقط رأسه، ومن المعلوم أن معالي الشيخ وأسرته يكنون لعنيزة كماً هائلاً لا ينضب من الحب والتقدير، وفي الوقت نفسه عنيزة وأهلها يكنون لمعالي الشيخ عبد الله العلي النعيم وأسرته الكريمة حباً متبادلاً، وعرفاناً بالجميل، وتقديراً لجهود معالي الشيخ عبد الله التي زرعها بينهم.. فلا يكاد يخلو مجلس من مجالس عنيزة، يُذكر فيه العمل الخيري, ولا تسمع فيه ذكراً لمناقب الشيخ عبد الله النعيم وأسرته الكريمة الخيرية.
وإنما كتبتُ هذا المقال لتتعلم الأجيال فضل أهل الفضل، وإحسان أهل الإحسان، وأن أهل الخير كُثر - ولله الحمد والمنة -, وهم فعلاً القدوات الصالحة التي يجب أن يقتدى بهم في هذا المعترك الكبير في الحياة المعاصرة.. فكم فعلاً نحتاج من عبد الله النعيم، وكم نحتاج من د. نورة النعيم، وكم نحتاج من د. لولوة النعيم.. لإقامة مشاريع تنموية تنفع الجميع؛ فليست إقامة تلك المشاريع من مدارس ومراكز صحية وجمعيات خيرية تقع حصراً على الجهات الحكومية لإقامتها؛ فهذا فكر ناقص وقاصر.. وهنا يعلمنا فكر معالي الشيخ عبد الله العلي النعيم وأسرته أن المواطن السعودي هو - بلا أدنى شك - شريك أساس للحكومة في مشاريع التنمية المشتركة إقامةً وإدارة واستفادة وتعاملاً. فما أحوجنا اليوم فعلاً للعشرات من عبد الله النعيم وفكره وقيمه وعطائه ومبادراته.
ولا بد من اليقين أنه لم يكن لهذه القدوات أن تكتمل لولا توفيق الله سبحانه وتعالى لهم أولاً، ثم بالدعم والمؤازرة والتشجيع الذي وجده معالي الشيخ عبد الله النعيم وأسرته كلها من قيادة هذه البلاد المباركة التي تشجع وتدعم وتؤازر أهل الخير والإحسان والبذل والعطاء من قِبل سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله - اللذين همهما الأول المواطن السعودي أينما وُجد بصحته وتعليمه وأمنه ورغد عيشه ورفاهيته، واللذين هما المثل الأعلى للمواطن في العطاء والبذل والإحسان.
وكما ورد في الحديث الشريف أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فمن هذا المنطلق نقول لمعالي الشيخ عبد الله العلي النعيم والسيدة الفاضلة أم علي (حصة الصالح الراجحي)، ولأسرته، خاصة الأستاذة الدكتورة نورة والأستاذة الدكتورة لولوة والأستاذة منال.. وجميع أسرته: شكراً، ودمتم باذلين نافعين لمجتمعكم ووطنكم. ونقول للشيخ أبي علي: أحسنت، وكثَّر الله خيرك، وما قصَّرت.. وهذا من ديننا الحنيف بأن نذكر المحسن، وندعو له، ونشيد بعمله.. وهذا العطاء والبذل ليس بمستغرب على هذه الأسرة الطيبة.. وهذه إحدى متطلبات المواطنة الصالحة، أن يبذل الإنسان لوطنه ومجتمعه، وهو ما طبَّقه معالي الشيخ عبد الله على نفسه وأسرته، فكان فعلاً نعم المواطن الصالح، وكانت أسرته مثله، وأصبح معالي الشيخ وأسرته فعلاً {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، وكما قال أحد الحكماء «لا تقُلْ مطلقاً ماذا فعل وطنك لك، ولكن قل ماذا فعلت أنت لوطنك».
** **
- جامعة القصيم